راعهم ذلك أن يذعنوا للحق إذ جاءهم ماروا فيه ، فإن المبطل الممارى لا تزيده الحجة إلا عنتا وإمعانا في الضلال ؛ لذلك كذبوا وافتروا ، وادعوا أمرا غير معقول ، فزادوا بعدا عن الحق ، وزادوا ضلالا ، ولذا قال عنهم ، إذ رأوا القرآن واسترعاهم{ ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر} تحداهم أن يأتوا بمثله فعجزوا ، ولكن لم يقولوا إنه من عند الله ، بل بالغوا في الكذب ، وأوغلوا في الكفر ، ولقد أكد الله تعالى قولهم هذا لأن غرابته تسوغ تكذيبه بادئ ذي بدء ، ولذا أكد علمه سبحانه ب ( اللام ) وب ( قد ) ، وتأكيدا للمعلوم ، والتأكيد حيث مظنة عدم التصديق و{ بضر} ، أي لم يجئ من عند الله ، فلم يعلمه الله تعالى إياه ، ولكن الذي علمه بشر ، وعينوا ذلك البشر إنه رجل رومي كان غلاما لبعض العرب ، وقيل رجلان كان يصنعان السيوف بمكة ، ويقرءان الإنجيل والتوراة ، وقيل غيرهما من أسماء سماها بعض المفسرين .
وقد رد الله تعالى قولهم بقوله تعالى:{ لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} ، و{ يلحدون} ، أي يشيرونه إليه مائلين بكلام مضطرب نحوه ، والمعنى لسان هذا الرجل أعجمي فكيف يأخذا منه النبي صلى الله عليه وسلم علما ؟ ! وإذا كان يأخذ منه علما فكيف يمكن أن يكون هذا الكلام المبين ، أي البين في ذاته ، والذي أعجزكم ببينه حتى إنكم تقولونه فيه ، إن له لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمقمر وإن أسفله لمغدق .
إن دليلكم يلتوى عليكم بمقدار نتائجه ، فلا يجديكم شيئا أي شيء .