وقد رد الله تعالى افتراءهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم:
{ قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين ( 102 )} .
الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بالأمر من ربه والضمير في{ نزله} للقرآن المذكور آنفا في قوله تعالى:{ فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ( 98 )} ، و{ نزله} مصدره التنزيل ، وهو الإنزال المتدرج على حسب المناسبات ، وليتمكن الذين يكتبون من كتابته ، وهم أميون ، لا يستطيعون الكتابة الطويلة ، وليحفظوه فيسجل في الصدور بدل السطور فيصعب بل لا يمكن تحريفه ، وقد تواتر جيلا بعد جيل ، و{ روح القدس} وهو الروح الطاهر ، وهو جبريل عليه السلام ، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة ، كقلوهم حاتم الجود ، وعلي البيان ، ونحو ذلك ، وهذا مبالغة من الله في وصفه بالطهر والصدق ، وأنه رسول من الله صادق أمين وهو الذي نزل بالقرآن على قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى:{ نزل به الروح الأمين ( 193 ) على قلبك لتكون من المنذرين ( 194 )} [ الشعراء] ، وقد ذكر سبحانه أن غاية نزوله أن يزيد الذين آمنوا تثبيتا على الحق ؛ ولذلك قال تعالى:{ ليثبت الذين آمنوا} التثبيت زيادة ما يكون ثابتا قوة وثباتا ،{ الذين آمنوا} الذين يدركون الحق بمداركهم الفطرية ، ويتجهون إليه اتجاها مستقيما ، فيدركه بمواهبهم ، والشرائع السماوية تثبت الحق في قلوبهم ،{ وهدى وبشرى} ، أي أنه ذاته هدى ، وهذا تأكيد لمعنى أنه يهدي ، فهو يهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم ، وكأنه الهداية ذاتها{ وبشرى للمسلمين} ، أي هو بشرى للذين يسلكون وجوههم لله تعالى ، يخلصون للحق من غير مراء ولا جدال .
وهنا إشارات بيانية نشير إليها ، فإنها تبين معاني التنزيل:
الإشارة الأولى – قوله تعالى:{ من ربك} ، أي من الخالق البارئ الذي ربك ورباك ، وربى الوجود كله ، وهو الحي القيوم .
الإشارة الثانية – في قوله تعالى:{ بالحق} ، أي متلبسا بالحق ، فهو الحق ، وما جاء به هو الحق من عند الله ، وكان في ذاته لا يمكن أن تتمادى فيه العقول المستقيمة ، فهو في ذاته حق ، كما هو في ذاته هداية .
الإشارة الثالثة – الإشارة إلى أنه نازل من عند الله تعالى ، ونزل به أمين طهور صادق .
ولقد راعهم ما اشتمل عليه من قصص صادق للنبيين ، وعظات مرشدة هادية ، وتوجيه إلى الكون ، وما اشتمل عليه من مكارم الأخلاق ونهيه عن ملائم الضلال ، وأمر بالوفاء بالعهد ، وغير ذلك .