ويتابع القرآن الإيحاء بالإرادة الإلهية ،في ما ينزله على أساس حكمته التي لا تنحرف ولا تهتز{قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ} ،فقد اقتضت حكمته أن تنزل آيات القرآن على سبيل التدريج ،كما توحي كلمة التنزل التي تتضمن معنى التدرج مقابل كلمة الإنزال التي تنسجم مع الدفعة ،وذلك بواسطة روح القدس ،كما ورد في هذه الآية ،أو الروح الأمين ،كما ورد في آية أخرى .وربما كان المراد به جبرئيل الذي صرحت باسمه الآية الكريمة في قوله تعالى:{قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ} [ البقرة:97] ،{لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ} ،لما يريده لحركتهم في الدعوة والعمل ،والجهاد ،من خضوع للقرآن في آياته التي توجّه خطوةً هنا وخطوة هناك ،وتخطط المسير في هذا الاتجاه ،ثم تبدله في اتجاهٍ آخر ،تبعاً لمقتضيات الواقع العملي ،الأمر الذي يخلق التفاعل بين حياة الناس والقرآن ،بحيث يعايشون ،بشكل واقعي لا تجريدي ،القرآن في مفاهيمه وأحكامه .من هنا نستطيع أن نقرر الحقيقة القرآنية في الأسلوب الواقعي ،وهي أن آياته كانت تحرك مسيرة الدعوة وترعى حركة التغيير ،وتوجّه خطوات الجهاد ،ما يجعل القرآن تجسيداً للرسالة في الفكر والواقع .
{وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} ،في ما هيأه لمن أسلموا الفكر والروح والحياة لله ،من سبل الهداية بآياته إلى سواء السبيل ،وفي ما يبشرهم به من رحمةٍ ورضوانٍ وجناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها في رحاب الله .