{وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} .لم تكن أحكام التشريع الإسلامي تنزل على الناس دفعة واحدة ،في وقت واحد ،بل كانت تنزل بطريقة التدرّج ،بغرض خلق الانسجام بين الحكم الشرعي النازل ونمو الناس الفكري والروحي على هدى الإسلام ،وكان ذاك التدرج يستعمل في بعض الحالات أسلوب التغيير والتبديل في الأحكام ،تبعاً لبعض المصالح التي يقتضي تحقيقها مراعاة الزمان والمكان ،بحيث تطلق مقيدة بتلك الحدود ،وتتغير بتغير المصالح التي اقتضتها ،إلى أن يلد حكم جديد ثابت لمصلحة دائمة ،وقد يتمثل ذلك بالآية التي يمكن أن ينسخ مضمونها آية قرآنية أخرى ،كما يرى البعض من نسخ الأحكام في القرآن ،أو بالحديث النبوي ،على أساس النظرية التي تنكر النسخ في القرآن ،وتقرّه في السنة .وكان الكفار من قريش ،يلاحقون ما يعتبرونه نقاط ضعف في حركة الدعوة على مستوى التنزيل والتشريع ،ليواجهوا النبي بها ويسقطوا موقعه النبوي في أذهان الناس ،لذا فقد رأوا في التبديل في مضمون الآيات أو الأحكام ،شاهداً على الافتراء على الله ؛لأنه لا يمكن أن يبدّل الله كلامه ،أو يغير أحكامه ،وذلك لأنهم لا يفهمون معنى التوقيت في المصلحة التي تكون أساساً للحكم ،ما يفرض التبدل الطبيعي عند انتهاء الوقت الذي اقتضاه ،والتبدل في هذا الإطار مسألة طبيعية بالنسبة للحكم الشرعي كما هو بالنسبة لأي موضوع آخر ،حيث لا يكون التبدل دليلاً على التنافي والتناقض فيه ،ليكون بالتالي دليلاً على الافتراءكما يزعمون،وهذا ما أثارته الآية في قوله تعالى:{وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ} ،فهو الذي يعلم المصالح الكامنة في الأشياء ،ويعرف حدودها ،مما لا يعلم البشر الكثير منه ،أو لا يعلم الأكثر منهم وجه المصلحة فيه .