ذكر الله تعالى ما سجله عليهم ، وهو عقاب في ذاته ، وسبب لعقاب ، فقال تعالى:
{ أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ( 108 )} .
إن أولئك هداهم الله إلى الإيمان ، ثم كفروا تمرد نفوسهم على الباطل وتلج فيه ، فتفسد فيها مسالك الإدراك ، ولذا قال تعالى فيهم:{ إن الذين آمنوا ثم آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا ( 137 )} [ النساء] ؛ ولذا وصفهم الله تعالى بقوله .
{ أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون ( 108 )} .
الإشارة إلى هؤلاء الذين كفروا بعد إيمان ، والإشارة إلى الموصوف بصفة إشارة إلى هذه الصفات ، والإشارة إلى الصفات تفيد أن هذه الصفات هي علة الحكم ، وإن الكفر بعد إيمان إذا تكررتجعل النفس تمرض بفساد الإدراك لأن الكفر بعد الإيمان من شأنه أن يضعف في القلب معنى الإيمان ، فيضعف إدراك الحق ، ويصبح الشخص حائرا لا يتحرك ضميره ، ولا تستيقظ نفسه ، ولا يستبصر بما تبصر ، ولا يدرك حق الإدارك ما يسمع ، فكأنه قد طبع على مداركه بطابع يمنع المدارك من أن يصل إليها شيء من الفهم والعلم فيبصر الكائنات ولا يعلم ما تدل عليه ، ويستمع إلى القرآن ، ولا يعلم ما يهدي إليه ، ويحق قول الله تعالى:
{. . .لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل . . .( 179 )} [ الأعراف] .
وإن هذه عقوبة طبيعية لما أركسوا فيه ، فهي نتيجة لما تردوا فيه من كفر بعد إيمان ، وهي سبيل لعقاب دائم ، وعذاب واصب ، وهذا يؤدى إلى أن يكونوا في غفلة دائمة عن كل ما يعلو بالإنسان ، فهم قد فقدوا معنى الإنسانية العاقلة المدركة التي تتحمل التبعات ، وتعرف التكليفات التي هي ضريبة الإنسانية ومعناها ؛ ولذا قال تعالى:{ وأولئك هم الغافلون} حكم الله تعالى عليهم بهذا النص ، والإشارة إلى الموصوفين بالكفر بعد الإيمان ، والصفة هي علة الحكم ، وهو الحكم عليهم بالغفلة الدائمة التي تصير وصفا لهم منحصرا فيهم ، وهم محصورون فيه ، وقد أفاد القصر أي قصرهم في الغفلة ، وقصر الغفلة عليهم ، تعريف الطرفين ، وتأكيد القول بضمير الفصل ، مع تأكيد القصر .