بعد أن بين الله تعالى ما يقوم عليه بناء الأسرة ، المجتمع وما يحفظه من الآفات بين ما ينميه وهو العدالة في التعامل فقال:
{ وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا ( 35 )} .
أوفوا الكيل:قدموه وافيا إذا كلتم ، وزنوا بالقسطاس المستقيم ، القسطاس هو الميزان ، والقسطاس كلمة في أصلها رومى ، ولكنها عربت وما يعرب يكون عربيا ، وإن اللغات تنمو بزيادة ألفاظ فيها ولو كانت مستعارة من غيرها ، ولا يطعن في القرآن بأن فيه عربيا على ذلك النحو ؛ لأنها صارت عربية بتعريبها ما دام النحو سليما والبناء قويما .
والقسطاس المستقيم أي السوي الذي لا يميل ميلا غير سليم ، فيزن بالباطل و{ ذلك خير وأحسن تأويلا} ، أي ذلك خير في ذاته لأنه عدل في المعاملة ، وبه تستقيم أمور الناس ، ويطمئون{ وأحسن تأويلا} ، أي أحسن مآلا فإن العدل والتساوي في المعاملة مآله في الأمم حسن دائما .
وإن ذكر الكيل والميزان لأنهما حسيان ، ولكنهما رمز لكل المعاملات التي تكون بين الجماعة ، فالمعاملة العادلة تربط الناس برباط من القوة لا تنفصم ، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"عامل الناس بما تحب أن يعاملوك"{[1435]} ، فذلك هو القانون العادل الذي يصلح الناس في هذه الحياة .