والنص فوق دلالته المحكمة على القرآن الكريم وهدايته الدائمة يدل على أنه فاعل مختار وعلى أن قوله تعالى:
{ إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا ( 87 )} .
{ إلا} الاستثناء فيها من النفي في الجملة الأخيرة من الآية السابقة ، ويكون المعنى "لا يجد لك علينا به وكيلا"ويكون المعنى لا تجد لك من يوكل باسترداده علينا إلا رحمة من ربك ويكون الاستثناء متصلا ، أي أنه إن شاء سبحانه إذهابه لا يعود ، إلا رحمة من الله رب العالمين بنبيه وبالناس لينتفعوا من شفائه وهدايته ورحمته ومواعظه ، فهو القرآن العظيم ، ويصح أن يكون الاستثناء منقطعا ويكون متعلقا بالآية السابقة كلها ، ولكن ( إلا ) بمعنى ( لكن ) ويكون سياق الكلام فيما نعلم هكذا:"{ ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا ( 86 )} لكن رحمة من ربك الذي علمك ما لم تكن تعلم ، وشفى صدرك واصطفاك ، وهذه الرحمة قامت فلم يشأ أن يذهب به".
ولقد ختم الله تعالى الآية بقوله:{ إن فضله كان عليك كبيرا} وإن فضل الله تعالى على هذه الأمة ونبيها كان عميما بإنزال القرآن الكريم وبقائه حجة قائمة إلى يوم القيامة وبما اشتمل عليه من شفاء ورحمة وهداية ، والضمير يعود إلى الله ، وقوله:{ كان عليك كبيرا} قدم{ عليك} للاهتمام بمنزلة النبي صلى الله عليه وسلم وفضل الله تعالى عليه ، وقد أكد سبحانه وتعالى فضله ب ( إن ) المؤكدة و ( كان ) الدالة على الاستمرار .
ولماذا أكد سبحانه وتعالى فضله في نزول القرآن على قلبه ، وأن يكون معجزته الكبرى ؟ الإجابة لأن المشركين حسبوا أن المعجزات الحسية التي انقضت بانقضاء أزمانها مثل معجزات عيسى تدل على فضل هؤلاء الرسل ، فبين سبحانه أن فضله عظيم على نبيه في أن اختصه بمعجزة القرآن الخالدة الباقية التي كانت هي المعجزة وسجلت كل المعجزات السابقة ، فلولا القرآن ما عرفتها الأجيال التالية .