وإن القرآن هو روح الشريعة ، وأنه من أمر الله ومن شأنه ، ولذا جاء ذكره بعد ذكر الروح التي من أمر الله تعالى ، فقال تعالى:
{ ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا ( 86 )} .
ذهب به يستعملها القرآن الكريم بمعنى أذهبه وكأن الباء تنوب عن همزة التعدية ، كقوله تعالى:{. . .ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم . . .( 20 )} [ البقرة] ، أي لأذهبها ذهابا مؤكدا ومعناه ذهب بالذي أوحينا أي محاه وصحبه وأخذه معه فهو يتضمن المحو عند الناس والأخذ به عند الله .
واللام في قوله تعالى:{ ولئن شئنا} اللام الموطئة للقسم ، واللام في قوله تعالى:{ لنذهبن} هي اللام الواقعة في جواب القسم ، ولنذهبن القسم وهو قائم مقام جواب الشرط .
والمعنى أن الله تعالى يؤكد أن الله تعالى قادر على أن يذهب بهذه المعجزة التي بهرت العقول والأفهام وعجز العرب عن يأتوا بمثلها لو شاء ذلك وأراده ، ولكنه لم يشأ ولم يرتضيه وقوله:{ بالذين أوحينا إليك}التعبير بالموصول فيه إشارة إلى أنه لا يشاء ذلك لأنه هو الذي أوحاه سبحانه وتعالى إليه ، وقال تعالى:{ ثم لا تجد لك به علينا وكيلا} ،{ ثم} هنا في موضعها من التراخي المعنوي ، أي لو ذهبنا به ، بعد أن تجد من يتوكل بإعادته علينا ، أي بإلزامنا وبغير مشيئتنا ، فالباء متعلقة ب{ وكيلا} ، أي لا تجد لك وكيلا به يرده إليك علينا من غير مشيئتنا يلزمنا ، معاذ الله تعالى أن يكون ذلك .
وإن هذا النص الكريم يفيد أمرين:
الأمر الأول:منزلة القرآن ومكانها العظيم ومن الله تعالى على الخلق به ؛ لأن فيه الشفاء والرحمة والهداية والموعظة وهو فصل الله على عباده وأنه لو شاء لاسترده .
الأمر الثاني:سنة بقائه إلى يوم القيامة نور الوجود لإنساني وهاديه ومرشده عندما تفسد الضمائر وتطمس القلوب .