ولكنهم مع أنهم لا يعرفون الشرائع ، ولا نظم الأحكام يرون المضار تتوالى عليهم من جيران أشد جهالة ، ولا يخضعون لنظام ، ولا يقرون حقوقا ، ولا يخضعون لواجب ، وهم يأجوج ومأجوج ، وهم يسكنون في مناطق منغوليا ومنشوريا ، أو هم منهم ، ولذا لما وجدوا ذا القرنين وما يحمل معه من نظم إصلاحية مانعة من الظلم دافعة للفساد .
{ قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا 94} .
نادوا ذا القرنين بهذا اللقب مما يدل على أنه كان مشهورا بينهم ، وعلى أنه كان متطامنا قريبا ، وذلك أول أمارات الحاكم الصالح بأن يكون قريبا منهم يألفهم ، ويألفونه لا يكون متحجبا دونهم ، حتى لا يصعب على صاحب الحق الوصول إليه .
و{ يأجوج ومأجوج} قبائل ما وراء جبال أرمينية ، وهما اسمان ليسا عربيان ، وقد كانوا يندفعون من وقت لآخر يفسدون الحرث ، ويعبثون بكل قائم ولا يضبطهم أحد ولا قبل لأحد بدفعهم ، وقد ذكر مولانا أبو الكلام زاده في رسالته عن ذي القرنين أن لهم غارات متتالية عبر التاريخ فقال بعنوان:الأدوار السبعة لخروج ومأجوج .
سهل علينا خروج هذه القبائل إلى سبعة أدوار:
الدور الأول منها كان قبل العصر التاريخي عندما بدأت هذه القبائل تهاجر من الشمال الشرقي وتنتشر في آسيا الوسطى .
وكان الدور الثاني في فجر التاريخ فترى في ضوئه معالم عبارتين مختلفين:حياة البداوة ، وحياة الاستقرار ، فتخلد القبائل المهاجرة إلى السكينة ، ومباشرة الحياة الزراعية ، إلا أن سيولا جديدة لا تزال تتدفق من الشرق ، ومدى هذا الدور من00 15 إلى 1000 قبل الميلاد .
ويبتدئ الدور الثالث ، من سنة ألف قبل الميلاد ، فتجد قوما همجا من البدو في بلاد بحر الخزر والبحر الأسود ، ثم لا تلبث أن تظهر بأسماء مختلفة من جهات مختلفة ، وأخذ بعضها يظهر على مسرح التاريخ من سنة 700 قبل الميلاد . . .
أما الدور الرابع فينبغي أن نجعله في سنة 500 قبل الميلاد الزمن الذي ظهر فيه عزوش .
وكان الدور الخامس في القرن الثالث قبل الميلاد ، وقد تدفق فيه سيل من القبائل المنغولية وأنصب على الصين ، وفي هذا العصر بنى الجدار العظيم الذي اشتهر بجدار الصين ، وقد بدأوا بنائه في سنة 294 ق .م وأتموه في مدة عشر سنين . . وعاصر هذا الجدار حملات المغول في الشمال والغرب توجهوا إلى آسيا الوسطى من جديد . ثم ذكر الدور السادس والسابع وكان ذلك بعد الميلاد ، ولا يهمنا ذكرهما في مقامنا وإن كان ذلك يهم المؤرخ المقتصي للحقائق المتعرف للأدوار الإنسانية في عصورها المختلفة .
وإنه باستعراض هذه الأدوار نرى وجها تاريخيا ، لمن قال إنه الإسكندر المقدوني:
أولا:لأنه بنى جدار الصين في القرن الثالث قبل الميلاد وهو العصر الذي ظهر فيه الإسكندر ، إذ كانت حياته في القرن الثالث قبل الميلاد ، وكون البناء منسوبا إلى ملك من ملوك الصين لا يمنع الاستعانة بالإسكندر .
وثانيا:ما تضافر عليه المؤرخون العرب من أن باني السد اسمه إسكندر ذو القرنين ، وليس ذا القرنين فقط .
وثالثا:ما جاء من آثار من أن منشئ السد هو منشئ الإسكندر .
ورابعا:أن وصفه بذي القرنين سائغ لأنه جمع بين تاج الجنوب وتاج الشمال لما جاء إلى مصر .
ننتهي من هذا إلى أن يأجوج ومأجوج قبائل من المغول ، وأنه اشتد سيل فسادهم في القرن الثالث قبل الميلاد عصر ظهور الإسكندر المقدوني ، والله أعلم .
ونعود فنكرر أن معرفة شخص الإسكندر لا يقدمنا في ذكر معاني ولا يؤخرنا ، مادامت ألفاظه واضحة في معانيها بينة في أسلوبها وبيانها .
لقد عرض أولئك القوم الذين كانوا بين السدين على ذي القرنين أو طلبوا منه أن يبنى لهم سدا بعد أن شكوا له أن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض ، وعرضوا عليه أن يجعلوا له خرجا على أن يبنى لهم سدا{ قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا 94} ، الخرج قالوا إنه ضرائب يفرضونها على أنفسهم ، وعبروا عن الضرائب بالخرج لأنها تخرج من أيديهم إليه ، ولأنه يكون كخراج الأرض أو الأنفس على حسب ما يراه هو ، إما أن يأخذ الضرائب على النفوس أو المال أو العقار ، وقد عرضوا ذلك في عبارات مقربة مدنية ، فجعلوها على صورة استفهام ، فقالوا كما حكى القرآن:{ فهل نجعل لك خرجا} ، أي هل يسوغ أن تجعل لك خرجا ، والفاء للإفصاح عن شرط مقدر ، أي إذا كانوا مفسدين فاجعل لك خرجا على أن تبنى لنا سدا .
ولكن ذا القرنين العادل وجد أن من قوانين الحكم العادل أن يقوم بالإصلاح