ودفع الفساد من غير أجر يدفع ، بل إن عمل الخير ضريبة الحكم الصالح ، ولذا قال:
{ قال ما مكّني فيه ربّي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما 95} .
الردم أقوى من السد ، وقد قال في ذلك الزمخشري:{ ردما} ، أي حاجزا حصينا موثقا ، والردم أكبر من السد من قولهم ثوب مردم ، أي رقاع فوق رقاع ، أي أني أبني لكم سدا وثيقا قوي .
والمعنى ما مكّني فيه ربي ووسع على فيه وبسط لي خير من خرجكم ، فلست مستعينا بخرج ، ولكني مستعين بقوة منكم ، فأعينوني بقوة تحتمل العمل من رجالكم ، أي فلست أحتاج إلى المال ، ولكن أحتاج إلى أيد عاملة تعمل ، ولقد قال القرطبي في معنى هذه الآية الكريمة:( ما بسطه الله لي من القدرة والملك خير من خرجكم وأمولكم ، ولكن أعينوني بقوة الأبدان ، أي برجال وعمل منكم بالأبدان والآلة التي أبني بها الردم وهو السد ) .
ولقد استنبط من هذا القصص عن ذي القرنين أنه لا يجوز للملك ما دام في قدرة وسعة أن يفرض ضرائب ترهق ، ويقول في ذلك ، ( إن الملك فرض عليه أن يقوم بحماية الخلق في حفظ بيضتهم ، وسد فرجتهم ، وإصلاح ثغورهم من أموالهم التي تفيء عليهم ، وحقوقهم التي يجمعها في خزائنهم حتى لو أكلتها وأنفذتها المؤن فكان عليهم جير ذلك من أموالهم وعليه حسن النظر وذلك بشروط ثلاثة:
الشرط الأول:ألا يستأثر عليهم بشيء .
الشرط الثاني:أن يبدأ بأهل الحاجة .
والشرط الثالث:أن يسوى في العطاء{[1458]} .