قوله{ ما مكَّنّي فِيه ربِّي خيرٌ} أي ما آتاني الله من المال والقوة خير من الخراج الذي عرضتموه أو خير من السد الذي سألتموه ،أي ما مكنني فيه ربي يأتي بخير مما سألتم ،فإنه لاح له أنه إن سد عليهم المرور من بين الصدفين تحيلوا فتسلقوا الجبال ودخلوا بلاد الصين ،فأراد أن يبني سُوراً ممتداً على الجبال في طول حدود البلاد حتى يتعذّر عليهم تسلق تلك الجبال ،ولذلك سمّاه رَدْماً .
والردم: البناء المردّم .شبه بالثوب المردّم المؤتلف من رقاع فوق رقاع ،أي سُداً مضاعفاً .ولعله بَنى جدارين متباعدين وردم الفراغ الذي بينهما بالتُراب المخلوط ليتعذر نقبه .
ولما كان ذلك يستدعي عملة كثيرين قال لهم:{ فأعينوني بقوة} أي بقوّة الأبدان ،أراد تسخيرهم للعمل لدفع الضر عنهم .
وقد بنى ذو القرنين وهو ( تْسين شي هوانق تِي ) سلطان الصين هذا الردم بناء عجيباً في القرن الثالث قبل المسيح وكان يعمل فيه ملايين من الخَدمَة ،فجعل طوله ثلاثة آلاف وثلاثمائة كيلومتر .وبعضهم يقول: ألفا ومائتي ميل ،وذلك بحسب اختلاف الاصطلاح في تقدير الميل ،وجعل مبدأه عند البحر ،أي البحر الأصفر شرقي مدينة ( بيكنغ ) عاصمة الصين في خط تجاه مدينة ( مُكْدن ) الشهيرة .وذلك عند عرض 4 ،540 شمالاً ،وطول 02 ،512 شرقاً ،وهو يلاقي النهر الأصفر حيث الطول 50 ،5111 شرقاً ،والعرض 50 ،539 شمالاً ،وأيضاً في 375 عرض شمالي .ومن هنالك ينعطف إلى جهة الشمال الغربي وينتهي بقرب 599 طولاً شرقياً و540 عرضاً شمالياً .
وهو مبني بالحجارة والآجر وبعضه من الطين فقط .
وسمكه عند أسفله نحو 25 قدماً وعند أعلاه نحو 15 قدماً وارتفاعه يتراوح بين 15 إلى 20 قدماً ،وعليه أبراج مبنية من القراميد ارتفاع بعضها نحو 40 قدماً .
وهو الآن بحالة خراب فلم يبق له اعتبار من جهة الدفاع ،ولكنه بقي علامة على الحد الفاصل بين المقاطعات الأرضية فهو فاصل بين الصين ومنغوليا ،وهو يخترق جبال ( يابلوني ) التي هي حدود طبيعية بين الصين وبلاد منغوليا فمنتهى طرَفه إلى الشمال الغربي لصحراء ( قوبي ) .
وقرأ الجمهور{ مَكَّنّي} بنون مدغمة ،وقرأه ابن كثير بالفك على الأصل .