بعد ذلك أردف سببا لواجبات أخرى ، فسار:
{ حتى إذا بلغ بين السدّين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولا 93} .
السدّان المذكوران في الآية جبلان ، قال عطاء أنهما بين أذربيجان وأرمينيا ، وقد ذكر سبحانه وتعالى أنه وجد بين الجبلين قوما{ لا يكادون يفقهون قولا} هذا وصف لهؤلاء القوم ، وهم كما يبدو أعلى درجة في الإنسانية من الذين وجدهم في مطلع الشمس الذين لم يجعل بينهم وبينها ستر ، ومعنى{ من دونهما} ، أي من وراء الجبلين ، فهم لم يكونوا بينهم ، بل كانوا وراء هذين الجبلين ، أو وراء هذه البلاد التي فيها هذان الجبلان ، فهم في مقام أوغر منهما ، وهم إلى الشمال أبعد وأعلى .
وقد وصفهم كما أشرنا إلى أنهم{ لا يكادون يفقهون قولا} ، أي يقاربون ألا يفقهوا قولا ، وهذا يدل على أنهم يفقهون بعض القول ولا يفقهونه كله .
وقال بعض المفسرين:إن ذلك سببه أنهم لا يعرفون لغة ذي القرنين ومن معه ، ولا يعرف لغتهم ، ولكن ذلك لا يعبر عنه بنفي فقه القول ، لأن فقه القول معرفة أسراره ومراميه ، فلا ينفى بجهل معرفة اللغة ، على أن المترجمين يغنون في ذلك غناء كبيرا ، وذلك إن صح يكون عيبا فيهم ، وعيبا في الذين يخاطبونهم ، فلا يختصون بالوصف ، والظاهر عندي أن المراد أنهم لا يدركون مرامي الأقوال وأسرارها والأحكام التي تنظم العلاقات بينهم ، وهذا الذي يتفق مع{ لا يكادون يفقهون} ، لأن الفقه ليس مجرد المعرفة ، إنما المعرفة التي يشق فيها غلاف الأمور لإدراك الحقائق ، وما وراء الألفاظ ، وذلك إلى العلم بالواجبات ، وفقه الأقوال أقرب ، ويكون المراد ليس عندهم علم بالعدل ونظام الحكم ، وما يجب لجلب المنافع ودفع المضار .