في هذا الكرب الشديد الذي لا تمرد فيه كانت تحف بها مكارم الله ، وخوارق العادات .
{ فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا 24 وهزّي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا 25} .
{ فناداها} الفاء عاطفة ، وهي تفيد الترتيب ، وضمير الفاعل يعود على جبريل ، لأنه المذكور ، وهو روح الله تعالى الذي أرسله الله تعالى:{ فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا} وقالوا:{ من تحتها} ، أنه كان قد جعله{ من تحتها} قابلا للغلام الطاهر عند نزوله كما تستقبل القابلة المولود ، وذلك من كلاءة الله تعالى وحمايته لها ، إذ كانت معزولة عن النساء وهي عذراء ليس لها تجربة في الحمل والولادة من قبل ، فكان من رعاية الله تعالى أن يسخر لها روح القدس ، ليكون القريب منها في هذه العزلة وهذا الانفراد عن المعاون والقريب ، وقيل:إن ضمير الفاعل يعود على عيسى ويكون ذلك النداء خارقا للعادة ولكن نستبعد هذا ، أولا:لأنه لم يكن هنا ذكر للغلام حتى يعود إليه ، وثانيا:لأن الله لم يذكره آية خارقة لنظام الأسباب والمسببات .والنداء{ ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا} ( أن ) المدغمة في ( لا ) التفسيرية ، أي كان النداء لا تحزني{ قد جعل ربك تحتك سريا} ، السري يطلق بمعنى الأمثل الكامل ، ويقولون:السري من الرجال هو الأمثل الكامل ، ولقد قال الحسن في عيسى عليه السلام:كان والله سريا من الرجال وإن ذلك استثارة لمحبة الأمومة وعاطفتها ، إذ إن بشراها بأنه سيكون له شأن أي الشأن ، يسري عنها ، ويذهب بحزنها ، فلا يشغلها ما تنتظره من ملامة كما يكون معها من الغلام الأمثل الذي هو الفرحة التي تذهب الترحة ، ويفسر بعض العلماء السري بأنه جدول ماء كان تحت الهضبة التي هي فيها ، ونقول ما كان حزنها لطعام وشراب إنما كان حزنها لخشية الملام الذي تتوقعه ، وهي البريئة ، وتقول ذلك وإن كان ذكر الأكل والشرب قد يرشح لمعنى جدول الماء ، وقد روى أن النبي ٍ صلى الله عليه وسلم قد فسر السري بجدول الماء{[1468]} ،