والأمر الثالث ذكره سبحانه وتعالى عند بقوله:{ وبرا بوالدتي لوم يجعلني جبارا شقيا 32} في هذا النص الكريم أمران جليلان:
الأمر الأول:إيجابي وهو بر أمه ، وحسن صحبتها والإحسان إليها جزاء ما قالت بسببه فقد وضعته كرها وحملته كرها ، وقالت من الأذى النفس والملام وتحملت ما تحملت في سبيل ذلك حتى برأها الله تعالى بكلامه هو ، ومهما يكن فقد تحملت قبل أذى كثيرا ، فكانت جديرة بحسن الصحبة والإحسان ، وهو البر الطاهر الكريم ، بالآدمية الروحية .
الأمر الثاني:سلبي ، وهو قول تعالى:{ ولم يجعلني جبارا شقيا} ، الجبار هو الظالم المتكبر المتطاول على الناس بالحق الذي يؤذي الضعفاء ويستعلي عليهم ، وقد كان من نعمة الله تعالى التي أنعم الله تعالى على عيسى عليه السلام أنه لم يجعله جبارا ، وقد وصف الجبار بأنه شقي مطرود من رحمة الله ، وقد كتبت عليه الشقوة في الدنيا والآخرة ، أما في الدنيا فهو أنه مبغض إلى الناس يتمنون به النازلات ويتحيّنون له الفرص ليردّوه وهو يتوجّس بنفسه من الناس وممن يحيطون به ، فهو في شقاء دائم لنفرة الناس منه ، فلا سعادة في نفسه وإن حسبه الناس سعيدا فهو شقي ، ولذا قال:"من مشي مع ظالم فقد أجرم{[1469]} .