وقد بين عيسى عليه السلام على لسانه وهو في المهد أنه سيكون مباركا ، فقال تعالى عنه:{ وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا 31} .
المبارك النافع الهادي المرشد الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، والداعي إلى الحق والتنزيه ، وقد كان عيسى عليه السلام واضح البركات:كان يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ، وكان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله ويحي الموتى ، وينادى الموتى فيخرجون من قبورهم وأنزل الله تعالى على يديه المائدة من السماء ، على أن تكون عيدا لأولهم وأخرهم ، فأي بركة أعظم يعطاه مبارك ؟ .
ثم قال:{ وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا} ، الإيصاء:الأمر المؤكد الواجب الإتباع أوصاه الله تعالى{ بالصلاة} ، ويكنى بها عن إصلاح نفسه وتطهيرها والتقريب من الله تعالى ، وأن يكون ربانيا في ذات نفسه ،{ والزكاة} إعطاء الفقير حقه ، وتطهير المجتمع من آثام الفقر فكان الإيصاء بالصلاة والزكاة إصلاحا للنفس والمجتمع ، فبالصلاة صلاح النفس وتطهيرها لتألف وتؤلف ، وبالزكاة يكون التعاون الاجتماعي بين الغني والفقير .
وقد قرر الغلام الطاهر أن ذلك كتب عليه مادام حيا ، لا يترخص في ترك الصلاة ولا يسوغ تركها ، ولا مسوغ لترك الزكاة إذا توافرت موجباتها .
وإن جعل هذه الأفعال بالماضي لتأكيد حصوله في المستقبل ، ولأن الماضي والمضارع والأمر إنما هو بالأزمان التي يتفاوت العلم بها عندنا ، أما بالنسبة لله تعالى فعلمه أزلي لا تحده الأزمان .