المبارَك: الذي تُقارن البركةُ أحوالَه في أعماله ومحاورته ونحو ذلك ،لأن المبارك اسم مفعول من باركه ،إذا جعله ذا بركة ،أو من بَارك فيه ،إذا جعل البركة معه .
والبركة: الخير واليمن .
ذلك أن الله أرسله برحمة لبني إسرائيل ليُحلّ لهم بعض الذي حُرم عليهم وليدعوَهم إلى مكارم الأخلاق بعد أن قست قلوبهم وغيروا من دينهم ،فهذه أعظم بركة تقارنه .ومن بركته أن جعل الله حُلوله في المكان سبباً لخير أهل تلك البقعة من خصبها واهتداء أهلها وتوفيقهم إلى الخير ،ولذلك كان إذا لقيه الجهلة والقُسَاة والمفسدون انقلبوا صالحين وانفتحت قلوبهم للإيمان والحكمة ،ولذلك ترى أكثر الحواريين كانوا من عامة الأميين من صيادين وعشّارين فصاروا دُعاة هدى وفاضت ألسنتهم بالحكمة .
وبهذا يظهر أن كونه مباركاً أعم من كونه نبيئاً عموماً وجهياً ،فلم يكن في قوله{ وجعلنبي نبيئاً} غُنية عن قوله{ وجعلني مُبَاركاً} .
والتعميم الذي في قوله{ أين مَا كُنتُ} تعميم للأمكنة ،أي لا تقتصر بركته على كونه في الهيكل بالمقدس أو في مجمع أهل بلده ،بل هو حيثما حلّ تحلّ معه البركة .
والوصاية: الأمر المؤكد بعمل مستقبل ،أي قدّر وصيتي بالصلاة والزكاة ،أي أن يأمرني بهما أمراً مؤكداً مستمراً ،فاستعمال صيغة المضي في{ أوصاني} مثل استعمالها في قوله{ ءاتَانِي الكِتَابَ} .
والزّكاة: الصدقة .والمراد: أن يصلّي ويزكّي .وهذا أمر خاص به كما أمر نبيئنا صلى الله عليه وسلم بقيام الليل ،وقرينة الخصوص قوله{ مَا دُمْتُ حَيّاً} لدلالته على استغراق مدة حياته بإيقاع الصلاة والصدقة ،أي أن يصلي ويتصدّق في أوقات التمكن من ذلك ،أي غير أوقات الدعوة أو الضرورات .
فالاستغراق المستفاد من قوله{ مَا دُمْتُ حَيّاً} استغراقٌ عرفي مراد به الكثرة ؛وليس المراد الصلاة والصدقة المفروضتين على أمته ،لأن سياق الكلام في أوصاف تميّز بها عيسى عليه السلام ،ولأنه لم يأت بشرع صلاة زائدة على ما شرع في التوراة .