وهذا ، وإن الغرور المتمكن في أهل هذه الدنيا أنهم يحسبون في أعمالهم أنهم باقون ، ولا يفكرون في الموت ، وإن فكروا في الموت لا يفكرون في البعث ، وقد أكد سبحانه وتعالى هاتين الحقيقتين الموت والبعث فقال تعالى:
{ إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون 40} .
أخبر الله تعالى عن نفسه بعبارة تدل على عظمة الله وجلاله ، وأكد ضمير{ إنا}ب{ نحن} ، للدلالة على أنه لا باقي إلا الله تعالى ، والجميع ميت ، كما قال تعالى مخاطبا نبيه:{ إنك ميت وإنهم ميتون 30 ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون 31} ( الزمر ) ، وقوله تعالى:{ نرث الأرض ومن عليها} ، أي نحن نرث الأرض ونرث من عليها ، فموضع{ ومن} في قوله تعالى:{ ومن عليها} النصب ب{ نرث} ، ومعنى وراثتها أنه هو وحده الباقي بعد الأرض ومن فيها فكلها إلى نهاية ، وقد شبه وجوده العزيز الجبار بأنه يكون بعدها ، كي يكون الوارث بعد المورث ، فالمورث يموت والوارث يموت بعده ، ولكن الله حي لا يموت ، وليس المعنى أن الله يرث الأرض ويرث ما ترك الناس من المال والنسب ، فالله غني من المخلوقات كما قال تعالى:{ يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد 15} ( فاطر ) ، ثم قال:{ وإلينا يرجعون} وهو البعث ، وقدم الجار والمجرور عن الفعل الذي يتعلق به ، لبيان أن المرجع إليه وحده ، وهو وحده مالك يوم الدين يوم الجزاء ، يوم القيامة ، يوم توفى كل نفس ما كسبت .