موسى وهارون
استجاب موسى لله الذي أكرمه بالكلام معه ، ولكنه أحس بالعبء الذي سيحمله ، وإذا كان الله العزيز الكريم قد أمده بالآيات الدالة على الرسالة فهو في نفسه طلب من الله تعالى أن يمده في شخصه بالمعونة ، وبأن يعطيه من ينصره ويؤيده ، وإن العاقل الصافي النفس يعرف عيوبه من غير أن يعرّفه غيره ، ولقد أحس موسى عليه السلام بأنه يضيق صدره أحيانا وبأن الأمر الذي بعثه الله به خطير عسير ليس بيسير ، وأنه ليس فصيح اللسان بحيث يفقه الناس قوله ، وبأنه يحتاج إلى من يؤازره ، ولذا طلب أمورا أربعة ليسهل عليه التكليف الذي كلفه الله تعالى إياه ، فطلب أمورا أربعة:
أولها – قوله:{ قال رب اشرح لي صدري 25} شرح الصدر توسعته حسا ، وما طلب توسعته حسا ، إنما طلب أن يكون عنده قدرة على احتمال الرأي الذي يخالفه ، وألا يكون صدره ضيقا حرجا بمن يخالفه ، بل تكون عنده أناة الصابرين ، وإن موسى كان يضيق ذرعا بكل من يخالفه:ولعل ذلك لأنه نشأ ونما في قوم مقهورين يقتل أبناؤهم ، وتُستحيا نساؤهم ، ومن التربية الأولى في بيت فرعون ، ولأنه كان يحس بأنه وقومه مظلومون ،{ ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين 15 قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم 16 قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين 17 فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين 18 فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبّارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين 19} ( القصص ) .
ونفس موسى الكليم الشفافة أدركت عيوبها فطلب من ربه أن يبرئه منها عالما أنه سيلقى من فرعون عنتا ، ولا بد أن يلقاه بقلب قوي غير ضجر ، ولا سائم ليتحمل ما حمله ، فطلب أن يشرح صدره بجعله قادرا على احتمال المخالفة ، بل المعاندة والمهاترة فقال:{ رب اشرح لي صدري} .