المنازلة
أنهم اختلفوا عندما بين لهم كليم الله موسى- عليه السلام – عاقبة الأمر وتناجوا فيما بينهم وأسروا النجوى مبالغين في الإنكار ، وانتهوا إلى أن أعلنوا رأى فرعون اتقاء للشر وتعرفا للأمر بعد وقوعه .
{ إن هذان لساحران} فيها ثلاث قراءات أولاها وأشهرها بإن المشددة والألف في الاسم والخبر ، والقراءة الثانية ( إن هذين لساحران ) بإن المشددة والياء في ( هذين ) ، والقراءة الثالثة ( إن هذان لساحران ) ب "إن"المخففة لا المشددة . وإن القراءة الوسطى ( الثانية ) سائرة على الإعراب المشهور وهو أن ( هذين ) اسم "إن"منصوب بالياء .
وأما القراءة الأولى فقالوا إنها على اللغة التي تلزم المثنى الألف في الرفع والنصب والجر كما هي في الأسماء الخمسة ، كما قال القائل:
إن أباها وأبا أباها قد بلغا في المجد غايتاها
وأما القراءة الثالثة التي تقرأ بتخفيف "إن"فنقول:إن ( إن ) مخففة من الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن ويكون التقدير إنه الأمر المقرر الثابت هذان لساحران ، وتكون اللام لام التوكيد ، وتؤذن بأن تكون "إن"مخففة من الثقيلة ، هذه لفتة إلى الإعراب ، قد ضل بعض الناس فادعى أنه روى عن عثمان أن في المصحف لحنا تصححه ألسنة العرب ، وهذا الضلال كان هنا في المقام ، اللهم إن هذا بهتان عظيم على جامع القرآن ذي النورين رضي الله عنه وعفا عنه وجزاه عن الإسلام خيرا{[1485]} .
ونعود على عجل إلى الكلام في معنى الآية الكريمة ، إن السحرة بعد أن أفزعتهم مقولة موسى ، وبيان عاقبة قولهم إن حادوا عن الحق وآثروا أن ينطقوا على هوى فرعون حتى يتبين لهم الحق ،{ قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى 63} .
ضربوا على نغمة فرعون ابتداء منجاة بأنفسهم من بطشه ، والنفس الإنسانية دائما مأسورة بالأمر الحاضر مؤجلة القابل إلى ميقاته ، وكذلك كان هؤلاء{ ويذهبا بطريقتكم المثلى} ، "الباء"هنا للتعدية والمعنى ليذهبا طريقتكم ، وجيء بالباء لتقوية التعدية أي ليذهبا أي إذهاب بطريقتكم المثلى ، أي دينكم الأمثل وكل معتقد يعتقد في دينه أنه الأمثل في الأديان ، وإن كان ضلالا في ضلال .