{ قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى 91} العكوف الإقامة للعبادة في معبد أو مسجد أو غيره ، و{ لن نبرح} من الأفعال التي تفيد الاستمرار على الحال التي هم عليها ، ولابد أن يسبقها حرف النفي ، مثل أخواتها ، "ما انفك ، وما فتئ ، وما زال"، والنفي ب"لن"لتأكيد بقائهم على ما هم عليه من ضلال ، فإذا كان هارون قد بلغ أقصى الغاية في إرشادهم فقد بذلوا أقصى الغاية في المعاندة ، وقولهم{ عليه عاكفين} أي مقيمين على عبادته . وتقديم الجار والمجرور لإفادة الاقتصار على عبادته وحده ، فلا يعبدون معه غيره ، ولو كان الله الرحمن الرحيم ، متأثرين في ذلك بقول السامري لهم:إن هذا إلهكم وإله موسى .
وقد ذكروا النهاية التي إليها ينتهي ضلالهم:{ حتى يرجع إلينا موسى} .
هكذا كان هارون موحدا غير ممالئ ، وما كان لنبي أن يعتنق غير التوحيد ، ولا أن يمالئ المشركين ، ولكنها التوراة التي في أيدي اليهود جميعا لعنهم الله تقرر أنه مالأهم وعبده كما عبدوه ، وتلك فرية على نبي الله تليق بقوم مفترين ، ولا تليق بكتاب منسوب لله تعالى ، ولكن النصارى واليهود يؤمنون بذلك .
جاء موسى غضبان أسفا ، ووجه اللوم ابتداء إلى أخيه يحسب أنه قصر في التوجيه والإرشاد ، وما قصّر ، وكان كما يظهر من قوله أنه كان يرى أن يتبعه إلى المكان الذي ذهب إليه ، ورأى هارون أن يبقى معهم ، ويكرر إرشادهم ، ويرقب حالهم:{ قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا 92 ألا تتبعن أفعصيت أمري 93} .