ويشير سبحانه وتعالى إلى حكمة القصص وعبرته فيقول عز من قائل:
{ كذلك نقص عليك من أبناء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا 99} .
الإشارة إلى القصص الذي قصه الله تعالى من أخبار موسى وفرعون وبني إسرائيل وكيف سيطرت الأوهام ودافعت العقول حتى حلت في العقول ، وكيف طغى فرعون وتجبر وذبح واستضعف ، وكيف نجى الله بني إسرائيل من عذابهم ، ثم كيف غلب الوهم القديم فدخل العقول بعد فضل الله عليهم .
و{ كذلك} في قوله تعالى:{ كذلك نقص عليك} الجار والمجرور متعلق ب{ نقص} والتخريج يكون هكذا:ونقص عليك من أنباء ما قد سبق مثل ذلك القصص الكاشف المبين لمنابت الضلال عند من يضلون ، وينابيع الهداية التي يستقون منها الحقائق سقيا .
والأنباء جمع نبأ ، وهو الخبر الخطير ذو الشأن العظيم ، وأي نبأ أعلى من العبرة من أنباء فرعون ذي الأوتاد ، وموسى كليم الله ، وبني إسرائيل الذين كانوا المثل في طرق الهداية والتمرد عليها ، والانفلات منها بأوهامهم التي يتوهمونها .
وقال سبحانه:{ من أنباء ما قد سبق} "من"للتبعيض ، أي بعض أنباء ما قد سبق ، وأكد الله تعالى سبقهم ب"قد"ليتعلم أهل مكة منها ، وأنهم ضلوا كما ضل هؤلاء وستكون العقبى عندهم كالعاقبة التي حلت بهم ، وأنه ينزل بهم ما نزل بغيرهم ، وبين سبحانه الكتاب المنزل الذي ذكرت فيه هذه العبر ، فقال تعالى:{ وقد آتيناك من لدنا ذكرا} الذكر هنا هو القرآن الكريم ، لأنه المذكّر ، وهو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد عظم الله سبحانه وتعالى القرآن بعبارات سامية ، أولا:بأنه عطاء الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وبينته الكبرى ، وذكر أنه من لدنه أي من عنده ، ووصفه بأنه مذكّر ، فهو ذكر القلوب ودواؤها وطبّها .