الواحد الأحد ، وعاقبة جحوده
{ إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علما 98 كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا 99 من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا 100 خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا 101 يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا 102 يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا 103 نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثالهم طريقة إن لبثتم إلا يوما 104} .
بين الله سبحانه بعد أن كشف موسى لبني إسرائيل بطلان عبادتهم تمثال العجل الذي عبدوه ، وما نزل بمن ابتدع عبادته ، ومآل ذلك التمثيل ، أخذ يبين المعبود الحق ، والإله الذي توافرت فيه أسباب الألوهية مخاطبا الناس أجمعين قريشا وغيرهم من الخليفة وبني إسرائيل وسواهم ، فقال عز من قائل:
{ إنما إلهكم الله} أكد سبحانه وحدانية الألوهية في الله جل جلاله بثلاثة مؤكدات أولها:{ إنما} فإنها تدل على الحصر ، أي أنها تدل على أنه لا إله غيره ، والثاني:بتعريف الطرفين{ إلهكم الله} جل جلاله فإلهكم معرفة ، والله جل جلاله معرفة . والثالث بقوله:{ لا إله إلا هو} هذا التأكيد كان من مقتضى الحال ، لأنه تعقيب على قول ناس ضلوا ضلالا بعيدا ، حتى بلغ بهم الوهم أن صنعوا تمثالا بأيديهم ، وعبدوه ، فكان فعلهم بهتانا عظيما بهتوا به العقول والمدارك ، وعندما يشتد قول الباطل يكون من مقتضى الحال أن يؤكد بيان الحق ليمحو الأوهام .
ولقد ذكر سبحانه بعد ذلك السبب في أن الله وحده هو الإله ، فقال:{ وسع كل شيء علما} ، أي وسع علمه كل شيء فهو سبحانه وتعالى يعلم الوجود كله من مبتدئه إلى منتهاه ومآله ولا يكون ذلك إلا للخالق المدبر سبحانه تعالى ، فالله تعالى كان الإله وحده ، لأنه خلق كل شيء وحده ، فلا يشاركه في خلقه أحد ، وهو بهذا ليس من نوع ما خلق ، بل هو مخالف لكل الحوادث التي أنشأها ، وغيره منها ، فهو بمقتضى حكم العقل المعبود وحده ، ولا معبود سواه ، لأن ما عداه حجرا أو شخصا أو تمثالا ناقص محتاج إلى غيره ، ولا يعبد إلا الكامل واجب الوجود المطلق .
وقوله تعالى:{ وسع كل شيء علما}{ علما} فيه تمييز محول من فاعل ، أي وسع علمه كل شيء ، وكان ذلك التحويل من فاعل إلى تمييز لتمكين نسبة العلم إليه سبحانه إذ إن في الإبهام في{ وسع} وبعده البيان تمكين فضل .