إن هؤلاء عباد خلقهم الله تعالى للطاعة والتسبيح لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ، وهم مجردون من الشهوات التي تضل وتهوى بصاحبها إلى مكان سحيق من المعصية ولتجردهم من الأهواء المردية والمطاولات التي تقع بين أهل الدنيا الذين تسيطر عليهم أحيانا أهواء إبليس عدو آدم – لا يقع منهم ما يخالف إرادته ، ومع ذلك لو وقع منهم من يعاند إرادة الله يكون جزاؤهم جزاء العصاة ، فلا يقول أحد منهم أنه إله من دون الله ، فمن قالها منهم فإن جزاءه جزاء العصاة ، وهذا قوله تعالى:{ ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم} "من دونه"أي غير الله ، ويعاند الله في ظاهر حاله والفاء واقعة في جواب الشرط ، والإشارة إلى الذي يقول إني إله من دونه ، والإشارة إلى فاعل فعل هي إشارة إلى الفعل ، فهي إشارة إلى أن ذلك القول إجرام ، ويكون كقول فرعون ما علمت لكم من إله غيري ، وجهنم للعصاة دائما ، و{ كذلك} في ختام الآية الكريمة:{ كذلك نجزي الظالمين} أي أنه كهذا الجزاء الذي ذكر لهم إذا ادّعوا الألوهية يجزي الله الظالمين .
وفي هذا النص إشارة واضحة إلى أن الذين يعبدون المقربين كعيسى ابن مريم ، وكالملائكة المقربين لا يغضبون الله وحده ، بل يغضبون من يعبدونهم ويخالفونهم ، فالذين يقولون عيسى ابن الله أو الرب أو إله يعصون أول ما يعصون عيسى عليه السلام ، وكذلك الذين يعبدون الملائكة المقربين .
والظلم المذكور في الآية هو ظلم الإشراك ، وظلم المعصية ، وظلم تضليلهم ، وانهواء عقولهم ، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل .