وقد ذكر سبحانه بعد ذلك النبوة في ذرية إبراهيم ، وذكر بعض الأنبياء منهم:
{ ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين} .
أشار سبحانه إلى هبة الله لإبراهيم ولده إسماعيل ، بالإشارة إلى نجاته إلى الأرض المباركة مكة وما حوت ، وما حولها من منى وعرفات والمشعر الحرام ، وهنا يصرح بأنه وهب لإبراهيم إسحاق ، ومن ورائه يعقوب ، وجعلهما معا مع أن إسحاق أب ويعقوب ابنه ، لأنهما كانا نبيين ، وأن نبوتهما هبة الله ، وتوالت النبوة والدعوة إلى هدم الأوثان ابنا عن أب عن جد ، ليقتلعوا عبادة الأوثان من الرءوس التي استمكنت فيها ، والنافلة ولد الوالد ، و{ نافلة} وصف ليعقوب لأنه ولد ولده ، أي وهبناه لك هبة زائدة فوق الولد ، لأن إبراهيم دعا ربه ، وقال:{ رب هب لي من الصالحين 100} ( الصافات ) .
وهكذا نرى أن الله تعالى أراد لإبراهيم أن تتوارث فيه الدعوة إلى هدم الأوثان ، لتذهب روعتها الكاذبة من نفوس الناس ، ومحمد صلى الله عليه وسلم من بعده قاوم الوثنية وحده ، ولم يكن أحد من ذريته من قاومها ، ولكن كان من أصحابه والتابعين من قاومها ، حتى روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"{[1512]}وقال تعالى:{ وكلا جعلنا صالحين} التنوين قائم مقام المضاف إليه ، أي كل واحد من الجد وابنه وحفيده جعلناه من الصالحين ، أي المستقيمين في طريقهم إلى الحق ، وذكر أنهم صالحون مع أنهم من المصلحين في طريق الحق والهداية إليه ، وذلك لأن الصالح في ذات الحق لا بد أن يكون مصلحا ، لأنه لا يتم الصلاح إلا إذ جعلنا مصلحا هاديا مرشدا داعيا إلى الحق ، وإلى صراط مستقيم ، ولذا قال تعالى:
{ وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين} .