{ وجعلناهم} الضمير يعود إلى إسحاق ويعقوب وأعيد الضمير بلفظ الجمع لأنه يجمع كل الذرية بعضهم بصريح اللفظ والآخر بطريق الإشارة والتضمين ، وقد جاء الصريح في قوله تعالى:{ ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ، تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون 134} ( البقرة ) .
{ وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} أي وجعنا إبراهيم وذريته أئمة أي رؤساء يوجهون ويرشدون ، ويقتدي بهم ، ويكونون قوة للخير والهداية{ يهدون بأمرنا} ، أي يدعون بدعاية الله ، وإضافة الهداية إلى أمر الله للإشارة إلى طاعتهم أولا ، ولبيان صواب ما يدعون إليه وأنه الحق لا ريب فيه{ وأوحينا إليهم فعل الخيرات} أي ألهمنا نفوسهم وقلوبهم فعل الخيرات وهديناهم إليها ، بما أوحينا به لرسلهم الذين جاءوا رسولا بعد رسولا ، كما قال تعالى:{ ثم أرسلنا رسلنا تترا . . . 44} ( المؤمنون ) أي رسولا بعد رسول ، وكل أولئك في ذرية إبراهيم عليه السلام والخيرات جمع خير ، وهو كل ما فيه نفع للناس ، ويقصد به فعله لنفعه للناس ، ولإرضاء الله تعالى ثم قال سبحانه:{ وإقام الصلاة} أي أدائها على وجه أكمل من خضوع وخشوع واستحضار لذات الله كأنهم يرونه ، وإذا لم يرونه يحسون بأنهم في حضرته يرجون رحمته ويخافون عذابه ويطلبون محبته ورضوانه ،{ وإيتاء الزكاة} ليكون المجتمع كله متعاونا بارا يبر بعضه بعضا{ وكانوا لنا عابدين} أي كانوا في كل أحوالهم وأعمالهم عابدين لله تعالى ، وكل عمل فيه عبادة إذا قصد بإتقانه إرضاء الله وحده ومحبته سبحانه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لا يحبه إلا لله}{[1513]} .
وفي قوله تعالى:{ وكانوا لنا عابدين} تقديم الجار والمجرور ، وهذا يفيد الاختصاص أي لنا وحدنا لا يشركون بي شيئا ، والجملة تدل على استمرار العبادة أولا ، لوجود "كان"الدالة على الاستمرار ، وثانيا الوصف{ عابدين} أي مستمرين حتى تصير العبادة وصفا لهم فهم في عبادة مستمرة آناء الليل وأطراف النهار .