وذكر بعد ذلك سبحانه قرب يوم القيامة فقال عز من قائل:
{ واقترب الوعد الحق فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا يا ويلنا قد كنّا في غفلة من هذا بل كنا ظالمين} .
{ الوعد الحق} ، هو الوعد بالبعث ، وما وراءه من قيامة وحساب ، وهو حق لأنه صادق وثابت لا يرتاب فيه إلا المبطلون ، و"الواو"عاطفة على{ فتحت يأجوج ومأجوج} ، وهذا دليل على اقتران فتح ما سُدّ على يأجوج ومأجوج بالوعد الحق ، وذلك لأن الدنيا تكون قد فسدت واضطربت فيها موازين ، واستحكم الشر ، فمنذ الغزوات المغولية ، والعالم يموج بالشر ، ويمرج بالفساد ، فجاءت بعده الغزوات الصليبية الشرسة ، ومن بعدها تكون شذاب العالم{[1522]} في القارتين الأمريكيتين ، وأعطيت الشمالية علم إبليس وعقله ، وخلقه الشرير ، واتخذت الذرائع التي يمكن بها إبادة العالم ، ولا ضمير وعقله ، وخلقه الشرير ، واتخذت الذرائع التي يمكن بها إبادة العالم ، ولا ضمير يمنع ، ولا زاجر يردع ، وهي من وقت لآخر تهدد بالفناء ، حتى صار العالم قاب قوسين من أن ينزل به أشد الخراب بفعل الإنسان ، ولعل قيام القيامة يكون بإرادة من الله ، ويسخر لها عملا من أعمال الإنسان ، وقد ابتدأ الخراب بفتح السدود أمام يأجوج ومأجوج ، وختم بإخوانهم الأمريكان الذين لم يدعوا قائما من الأخلاق والفضيلة حتى قوضوه .
وقد صور حال الناس عند البعث وقيام القيامة ، وقد اضطرب الوجود ،{ فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا} "الفاء"واقعة في جواب شرط مقدر ، أي إذ جاء الوعد الحق فإذا . . . ف"الفاء"و"إذا"الفجائية جواب هذا الشرط المقدر وهي للحال ، أي فإذا الحال شاخصة أبصار الذين كفرا ، أي واقفة أعينهم لا تتحرك ، فمعنى شخوص العين أنها تفتح فلا تطرف ، وذلك يكون في حال الفزع والهلع ، وهذا تصوير لحالهم من الفزع فقد شبهت حالهم بحال من تكون أبصارهم شاخصة هلعا وفزعا ، والجامع بينهم الفزع .
وذكر الموصول{ الذين كفروا} للإشارة إلى أن سبب فزعهم كفرهم ، فهو فزع لا يعرف له نهاية لسوء ما قدموا ، ولسان حالهم يقول:{ يا ويلنا} فهذا مقول لقول محذوف مفهوم من حالهم ، فهم قائلون بلسان الحال:يا ويلنا ، ينادون ويلهم ، كأنهم ينادون الهلاك ، لأن هذا وقته ، فهم بهذا يتوقعون الهلاك وينادونه كأنهم يستعجلونه ، إذ إن من يكون في حال فزع وهلع يرون أن تزول هذه الحال ، ولو بنزول الهلاك العاجل ، لأن حال الانتظار أشد على النفس وقعا وبقائها مريم مع الهم الشديد .
{ قد كنا في غفلة من هذا} أي ربنا كنا غافلين عن هذا البعث ، وما كنا نحسب أنه سيكون ، وإذا كان لا يكون بهذا الهول العظيم والكرب الشديد ، ثم أقروا بظلمهم{ بل كنا ظالمين} لأنفسنا ولاعتدائنا على المؤمنين ، وبكفرنا بالرسل ، ومعاندتنا لهم ، وقد أكدوا ظلمهم بالجملة الاسمية ، وبوصفهم بالظلم وبالإضراب بقولهم:{ بل} أي أنهم يُضربون عن قول ويصفون أنفسهم بالظلم المؤكد المستمر ، لأن{ كنا} للاستمرار في ظلمهم في الدنيا .