حالهم في غفلتهم وإعراضهم
الآيات هي الآيات القرآنية بدليل التعبير بقوله:{ تتلى} ، والتلاوة القراءة المرتلة التي تجيء الكلمة تلو الكلمة واضحة في نطقها متقنة في صرفها عند النطق مستوفية مدها وهي الترتيل ، كما قال تعالى:{ ورتل القرآن ترتيلا ( 4 )} [ المزمل] ، وكما قال تعالى:{ ورتلناه} [ الفرقان] ، وأن القرآن الكريم قد تواتر كتابة وقراءة وترتيلا ، وهو في ترتيله قد تلقاه النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل ، علمه الله تعالى إياه .
وقد أكد سبحانه وتعالى ب ( قد ) الدالة على التحقيق و{ كانت} تدل على استمرار التلاوة ، ولكنهم ما كانوا ليتبعونها ، ويتدبرونها ، ويتعرفون مراميها وغايتها ، معتبرين بعبرها ، متأولين مآلها ، بل إنهم يستمعون بآذانهم ، وقلوبهم لاهية ، وعقولهم معرضة ؛ ولذا قال تعالى:{ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ} ، أي الفاء عاطفة ، ( كنتم ) معناها أن هذه كانت حالا دائمة مستمرة لا يستمعون إلا بأذانهم ، وقلوبهم معرضة ، وقوله تعالى:{ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ} ، هذا التعبير تصوير للإعراض يظهر حسيا ، كيف كان إعراضهم عن الحق{ تَنكِصُونَ} أي ترجعون وراءكم ، ووجوهكم كأنها مقبلة ، فهم يرجعون القهقرى ، بأدبارهم ، ويسيرون إلى الوراء بأعقابهم ، وقد جاء في قراءة شاذة منسوبة لعلي بن أبي طالب "فكنتم على أدباركم"، ولعلها تفسير له رضي الله تعالى عنه ، وهذا تشبيه حال بحال ، فشبهت حالهم في أنهم يسمعون بآذانهم دون أن تعيه قلوبهم بحال من يلقون بوجوههم وهم يسيرون القهقرى إلى الوراء .