وقد أرسلا معا إلى فرعون:{ فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} الفاء عاطفة للترتيب في أنه عند إرادة الجعل وزيرا لموسى كلفهما بالتبليغ معا ، فقال لهما ، وأضاف سبحانه القول إلى ذاته العلية تشريفا لهما وتنويها بأمرهما ، وقوله تعالى:{ اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} الأمر بالذهاب يومئ إلى أنهما مقدمان على أمر جليل في شأنه ، خطير في ذاته ، لأنه لقوم عتاة ، يسبقون إلى الكفر بدل السبق بالإيمان .
وقد وصفهم الله سبحانه وتعالى بأنهم كذبوا بآيات الله مع التكذيب بعد الذهاب ، وبعد الذهاب ، وبعدما آتى الله تعالى موسى تسع آيات مبينات ، فكيف يكونون موصوفين بذلك عند الذهاب ، والجواب عن ذلك أنه أخبر بالماضي ، لبيان تأكد الدفوع منهم ، كما في قوله تعالى:{ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ . . . ( 1 )} [ النحل] ، وكما في قوله تعالى:{ اقتربت الساعة وانشق القمر ( 1 )} [ القمر] ، عند بعض المفسرين الذين يقولون:إن انشقاق القمر يوم البعث .
والتدمير إدخال الهلاك في الشيء ، أو الهلاك ، والفاء أيضا للعطف والترتيب والتعقيب ، قد يقال كيف كان التدمير عقب الذهاب ، وقد لبث موسى فيهم يدعو سنين ، ونقول:إن الزمن في ذاته لم يكون طويلا ، وإن كان عند الناس طويلا ؛ ولأن التكذيب يتبعه لا محالة التدمير .
وذكر القوم ، ولم يذكر فرعون مع أنه الرأس الطاغي ، ونقول في الجواب عن ذلك ، إنه لولا حاشيته وقومه ما طغى وتجبر ، وكذلك الشأن في كل طاغية جبار ملؤه هم الذين يقرونه ويشجعونه .