النبي والمشركون
المشركون كشأن كل ضال أن يكون مصروفا بقلبه عن الحق منصرفا عن المعاني إلى الظاهر ، وعن الحقائق الثابتة إلى الأمور الحسية ، لقد رأوا النبي يأكل كما يأكلون ، ويمشي في الأسواق كما يمشون ، فصرفتهم هذه المشابهات الحسية عن معانيه صلى الله عليه وسلم التي سمي من أجلها الأمين بينهم ، فاستهزءوا لمظهر حاضره ، ونسوا حقيقة ماضيه العامر بالجود والفضائل ، بل نسوا معنى الرسالة ومعجزاتها .
الضمي في{ رأوك} يعود إلى المشركين ، لأنهم حاضرون دائما بمجادلتهم ومهاتراتهم ، وفتنتهم للمؤمنين ، أي إذا رآك المشركون داعيا موجها مرشدا{ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا} إن هنا نافية ، وفي الكلام معنى القصر والتخصيص ، فالنفي والاستثناء يفيدان القصر ، إنهم إذا رأوك لا ينظرون إليك إلا نظر المستهزئ الساخر ، فلا يفكرون في الدعوة أهي حق أم باطل ، أو أهي في أخلاق الناس وإرشادهم أمر حسن أم أمر باطل ، وفي دليلها ، أهو ساطع قاطع ، وفي تحديه لهم ، أهم عاجزون أم قادرون ، وفي ماضيه أهو كريم أم غير كريم ، لا يفكرون في شيء من هذا ، بل يغلبهم الإعراض والاستهزاء قائلين ساخرين{ أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا} أي أهذا الذي يعيش كما نعيش ، ليس معه ملك وليس له كنز ، وليس له بستان يغنيه ، بعثه الله رسولا ، وضمير الصلة محذوف ودل عليه الكلام ، والاستفهام في قوله أهذا الذي بعث الله رسولا ، استفهام إنكاري للتهم ، يفيد نفي الرسالة ، لعدم لياقته لهم في زعمهم وكذبهم على الله العزيز الحكيم ، وهو أعلم حيث يجعل رسالته .