ويستمرون في غيهم ، فيقولون:
{ إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا ( 42 )} .
إنمخففة من إن ، واسمها ضمير الشأن محذوف تقديره إن الحال والشأن أنه كاد إلى آخره ، أي أنه بماضيه وظهور صدقه ، وعدم الدليل على كذبه في حججه المتوالية التي كانت تجيء دليلا ردف دليل قارب أن يبعدنا عن آلهتنا ، أي يبعدنا عن عبادة آلهتنا ، ويجنبنا ، إياها ،{ لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا} أي لولا أن حبسنا أنفسنا عليها ، فصبر هنا بمعنى حبس ، كقوله تعالى:{ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ . . . ( 28 )} [ الكهف] .
وإن هذا النص الكريم الحاكي لأحوالهم النفسية يدل على أمرين:أولهماأنهم كانوا في مغالطة نفسية ، بين باطل اعتنقوه وحق لاح نوره بين أيديهم بحججه وأدلته الناصعة المنيرة ، والثانيأنهم لتقليدهم وتعصبهم لما كانوا عليه وما وجدوا عليه الآباء فكانوا يحاولون إبطال الحق وتأييد الباطل ، فحبسوا أنفسهم على الباطل حبسا ، وأنهم كانوا يتبعون الحق لولا أنهم حبسوا أنفسهم على الباطل ، ولولاشرطها صبرنا ، وجوابها محذوف دل عليه ما قبلها .
وهكذا المبطل دائما يكون غير مستقر على فكرة ، بل الأوهام تسيطر ، وتضع على الإدراك غشاء مانعا من أن يصلوا إلى الحقائق ويؤمنوا بها ، ولا تحسبن الضالين يؤمنون بشيء .
وقوله تعالى:{ وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا} سوف هنا لتأكيد وقوع الفعل في المستقبل ، أي سيعلمون علما مؤكدا في أي جانب كان الضلال ، أكان مع الهادي المرشد الأمين ، أم منكم ، وأنتم تعبدون أحجارا لا تنفع ولا تضر ، وقد حبستم أنفسكم عليها حبسا لا تخرجون من دائرة سلطانه الموهوم ، وإنكم ستعرفون الحق الواضح الأبلج الناصع في نوره وبياضه عندما ترون العذاب ، فالنفوس الضالة لا يهديها إلى الحق الحجة الدامغة ، بل تزيدهم إصرارا على باطلهم ، ويعلمون حينئذ الحق في وقته ، إذ يعلمونه في وقت نزول العذاب ، وهو علم ندم ، ولات حين مندم .
وقوله تعالى:{ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا} استفهام لإنكار حالهم وتوبيخهم على جهلهم مع مجازاتهم على ما كان منهم في جنب النبي في الدنيا ،{ أَضَلُّ سَبِيلًا} أي أبعد عن الطريق المستقيم ، والله بكل شيء عليم