{إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا} .إنه يملك أسلوباً ساحراً في نظرته إلى القضايا ،وفي معالجته لها ،وفي طريقة إثارته للكلمة وللأسلوب في مواقع الإِقناع ،ولذلك ،فقد استطاع أن يزلزل البعض من الناس لمصلحة دعوته ،وتطور الأمر به حتى بلغ درجةً شديدةً من الخطورة ،وذلك ،في محاولته الجادّة لإرباك قناعتنا بقداسة الالهة التي نعبدها ،وربما استطاع أن ينفذ إلى بعض أفكارنا ومشاعرنا ،وأن يترك تأثيره على إيماننا بها ،وقد كان من الممكن أن يحوّلنا إلى الإيمان بالله الواحد والكفر بالأصنام ،لأن خطته كانت أن يشغلنا عنها بحلاوة حديثه ،وأن يبعدنا عن الالتزام بها بروعة أساليبه ،لولا أننا انتبهنا إلى المسألة قبل فوات الأوان ،فجاهدنا مشاعرنا حتى لا تهتز معه ،وواجهنا أفكارنا حتى لا تقتنع به ،واستطعنا أن نتحمل كل آلام المعاناة المضادّة لتوجهاته ،وصبرنا على آلهتنا ،والتزمنا الموقف الصلب معها على خط الثبات في الإخلاص لها وعبادتها .
ولكن الله يواجه هذا المنطق بقوّة الخالق الذي يتوعد عباده المشركين المنحرفين عن خط الاستقامة ،ليوضح الفكرة الحاسمة التي تنتظر الجميع في نهاية المطاف ،وذلك بقوله:{وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} هؤلاء الذين يقفون في مواجهة الرسول بأساليب السخرية{حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} الذي ينتظرهم يوم القيامة ،{مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً} عندما ينكشف لهم خط السير الذي يؤدي إلى الجنة للملتزمين بما جاء به رسول الله( ص ) ،وخط الانحراف الذي يؤدي إلى النار للذين التزموا عقيدة الكفر والإلحاد .