وإن هذا القول الذي حكاه سبحانه وتعالى عنهم يدل على أنهم يختارون من الآلهة ما يتجه إليه هواهم دون عقولهم ، ولذا قال سبحانه:
{ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ( 43 )} .
ترتب على حبسهم أنفسهم على الضلالة لا يتجاوزونها ، ولو بدا لهم الحق لائحا منيرا أنهم يريدون آلهتهم على ما يهوون ويحبون ، لا على ما يدركون بعقولهم ، وتبين به الآيات الباهرة ، وعظمة الله تعالى القاهرة ، والمعنى لقد رأيت من اتخذ إلهه هواه ، وقالوا:إن المفعول الأول هواه ، وأخر للاهتمام بمعنى الألوهية التي لا تكون هوى قط ، وكأن سياق القول ، أفرأيت من اتخذ هواه إلها يعبده ، والإله هو الواحد الأحد النافع الضار الذي يملك كل شيء في الوجود ، ولا سلطان لأحد عليه ، والاستفهام هنا للتوبيخ ، لأنه إنكار لفعلهم الذي فعلوه ، ويفعلونه ، ويلجون فيه من غير تفكير ، ولا تعرف للحق .
{ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} الوكيل الحفيظ المتصرف المحامي عليه ، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على هدايتهم ، كما قال تعالى:{ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ . . ( 56 )} [ القصص] ، وقال تعالى:{ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ( 3 )} [ الشعراء] ، فهذه الآية وسابقتها تدل على أنهم يعبدون ما يحبون لا ما يعلمون ويدركون ، وأنهم قد انغمروا في ضلال لا منجاة لهم منه ، ولذا قال تعالى:{ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، أي إذا كانوا يتخذون هواهم إلها ، فأنت تكون عليهم حفيظا تهديهم ، وتخرجهم من الظلمات إلى النور ، إن فسادهم في ذات أنفسهم ، فإن حفظتهم عن أن يضلوا غيرهم ، فكيف تحفظهم من ذات أنفسهم ، إن ضلالهم في ذات أنفسهم ، والاستفهام للتنبيه إلى ضلالهم