قوله: ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه ) الاستفهام للإنكار ( إلهه ) ،مفعول أول للفعل ( اتخذ ) .و ( هواه ) مفعول ثان{[3327]} .والمعنى: أن هذا الضال الظالم لنفسه إنما يعبد هوى نفسه ؛فهو ليس على جادة الحق في عبادته ؛بل إنه يعبد ما تشتهيه نفسه ،ويميل إليه قلبه وهواه ؛فهو بذلك متقلب في عبادته بتقلب مزاجه وهواه ؛فكلما أحب شيئا استدار بقلبه ومشاعره وأعصابه ليحبه ويرغب فيه دون غيره .سواء كان المحبوب أمرا أو شخصا أو صنما من الأصنام .هكذا كان شأن الجاهليين .وفي ذلك قال ابن عباس: كان الرجل في الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زمانا فإذا رأى غيره أحسن منه عبد الثاني وترك الأول .
وهو كذلك شأن الإنسان المتقلب المتأرجح في كل زمان سواء في الجاهلية أو فيما يعقبها من الأدهار والأزمان .ذلك هو الإنسان الذي أفرغ قلبه من العقيدة الثابتة الصحيحة أو الإيمان الراسخ السليم ؛فهو مضطرب ومتلجلج ومتأرجح ،لا يسير إلا تبعا لهواه أو ما يميل إليه قلبه وما تشتهيه نفسه .فحيثما مال قلبه وهواه ،مضى بشخصه فتصرف واتبع ؛فهو بذلك مستديم التقلب تبعا لتقلب هواه وما تميل إليه نفسه مما يروق لها أو يشغفها رغبة وحبا .
قوله: ( أفأنت تكون عليه وكيلا ) الاستفهام للإنكار .والوكيل بمعنى الحفيظ ؛أي هل تستطيع أن تحفظه من عبادة ما يهواه ،أو تصرفه عن الهوى إلى الإسلام والهدى .فمثل هذا الإنسان الذي يميل إلى ما يهواه ولا يعبد إلا هواه – لا تستطيع الكلمة الطيبة السديدة أن تلج إلى قلبه فتغيره تغييرا أو تحوّله عن اتباع الهوى إلى اتباع الحق .لا يملك الداعون إلى الله بحديثهم الجيد وخطابهم السديد النافذ أن يكفكفوا لوثة الهوى الجامح عن قلوب الخائرين من أهل الشهوات وعبّاد الهوى الذين لا يعبأون بغير منافعهم وملذاتهم وأهوائهم .