وإن المشركين لم يعتبروا بما بين أيديهم من آثار الذين ظلموا مثل ظلمهم ، وعليهم أن يعدوا أنفسهم لمثل المآل الذي آل من سبقوهم ، وإنهم يمرون على ديارهم ، ولا يعتبرون بهم ، ولذا قال تعالى:
{ وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا ( 40 )} .
القرية هي المدينة العظيمة ، وهي هنا قرية قوم لوط ، ومطر السوء هو الحجارة ، وهذا تشبيه للحجارة التي كانت مقصودة بالمطر ، لأنها نزلت عليهم منهمرة انهمارا ، ولكنه لم يكن مطر ماء مغيث ، ولا ماء مغيث ، بل مطر حجارة حاطمة ، فهو سوء ، أي سيئ في ذاته مؤلم ، وهو سيئ في عقباه ، أفلم يروها ولم يروا ما نزل بها فيعتبروا ويتدبروا ، ولكنهم مروا ولم يروا روعة اعتبار .
أتوا هذه القرية أي مروا عليها في رحلاتهم إلى الشام ، ولم يعتبروا ، وقال أتوها ، ولم يقل مروا ، للإشارة إلى أنه كان يجب أن يأتوا ، ويعتبروا بها ، ويخشون أن ينزل بهم لما ارتكبوا من آثام مثلها ، أو أشد منها ، وإن لم تكن من نوعها .
{ بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا} بل هنا للإضراب الانتقالي ، أي أنه لا يتوقع منهم اعتبار بالسابقين ، لأنهم لا يرجون نشورا ، لا يتوقعون أن ينشروا ويبعثوا ويحاسبوا ، لأن من فقد ذلك الشعور لا يأبه لشيء ولا يفكر في عبرة أو اعتبار ، إذ يحسب أنها الحياة الدنيا وحدها ويقول:ما هي إلا حياتنا الدنيا نلهو ونلعب وما نحن بمبعوثين .