قال تعالى مخاطبا الخارجين عن طاعته ، وفيه التفات من عباد الرحمن إلى المشركين:
{ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} .
الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ليوجه إلى المشركين خطاب الله تعالى ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يخاطبهم بهذا الخطاب ، لأنه نبيهم المرسل ، ولأنهم يعاندونه ويتحدونه ، ويكفرون ، فأمره سبحانه بأن يذكر لهم أن الله تعالى لا يباليهم ، ولا يهتم لهم لولا تصحيح اعتقادهم .
وما نافية ، ومعنى ما يعبأ لا يبالي ، ولا يحمل عبئكم لولا دعاؤكم ، أي لولا عبادتكم عبادة صحيحة تؤمنون فيها بالواحد ، فالدعاء هنا العبادة ، ودعاء الله عبادته ، أي أنه سبحانه لا يهتم بكم إلا لأجل تصحيح عبادتكم ، ويصح أن يقال إن الدعاء هنا هو دعوتهم إلى العبادة الصحيحة والمؤدى واحد ، وفي الأول يكون "دعاؤكم"الدعاء منهم لله تعالى ، وفي الثاني يكون الدعاء من الله ورسوله إليهم ليعبدوه سبحانه وتعالى .
وجعل بعضهم اللفظ يحتمل هذا المعنى لولا دعاؤكم الأوثان وعبادتهم ، وذلك ضلال في عقولكم ، وأفن في أنفسكم ، والله لا يرضى لعباده هذا الضلال ،
ونحسب أن التخريج بعيد في تأويله وتفسيره .
وقال تعالى:{ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} الفاء السببية ، أي لا يبالي سبحانه بكم لولا أنه يدعوكم بالحق ، وبسبب تكذيبكم لا يعبأ بكم لا يبالي{ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} الفاء عاطفة وسوف لتأكيد الوقوع في المستقبل ، واللزام مصدر لازم ، فمصدر فاعل فعال ومفاعلة ، وهو ملازمة العذاب لهم ، وقد قال تعالى:{ ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى ( 129 )} [ طه] .
ومعنى النص في الآية الكريمة السامية لا يبالي بكم ربكم لولا دعاؤكم أن نعبدوا الله وحده ، ولكن كذبتم دعوة الحق وأصررتم على تكذيبكم ، فسوف يكون العذاب ملازما لكم وتكونون خالدين فيه .