التّفسير
لولا دعاؤكم ،لما كانت لكم قيمة:
هذه الآية التي هي الآية الأخيرة في سورة الفرقان ،جاءت في الحقيقة نتيجة لكل السورة ،وللأبحاث التي بصدد صفات «عباد الرحمن » في الآيات السابقة ،فيقول تبارك وتعالى مخاطباً النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ): ( قل ما يعبأ بكم ربّي لو لا دعاؤكم ) .
«يعبؤ » من مادة «عبء » بمعنى «الثقل » ،وعلى هذا فجملة لا يعبأ يعني لا يزن ،وبعبارة أُخرى لا يعتني .
ولو أن احتمالات كثيرة ذكرت هنا في مسألة معنى الدعاء ،لكن أساس جميعها يعود إلى أصل واحد .
فذهب البعض: إن الدعاء هو نفس ذلك المعنى المعروف للدعاء .
بعض آخر فسّره بمعنى الإيمان .
وبعض بمعنى العبادة والتوحيد .
وآخر ،بمعنى الشكر .
وبعض: بمعنى التضرع إلى الله في المحن والشدائد .
لكنّ أساس جميعها هو الإيمان والتوجه إلى الله .
وبناء على هذا ،يكون مفهوم الآية هكذا: إن ما يعطيكم الوزن والقيمة والقدر عند الله هو الإِيمان بالله والتوجه إليه ،والعبودية له .
ثمّ يضيف تعالى: ( فقد كذبتم فسوف يكون لزاماً ) .
من الممكن التصور أن تضاداً بين بداية الآية ونهايتها ،أو أنّه لا يبدو على الأقل الارتباط والانسجام اللازم بينهما ،ولكن إذا دققنا قليلا يتّضح أنّ المقصود أساساً هو: أنّكم قد كذبتم فيما مضى بآيات الله وبأنبيائه ،فإذا لم تتوجهوا إلى الله ،ولم تسلكوا طريق الإيمان به والعبودية له ،فلن تكون لكم أية قيمة أو مقام عنده ،وستحيط بكم عقوبات تكذيبكم{[2898]} .
ومن جملة الشواهد الواضحة التي تؤيد هذا التّفسير ،الحديث المنقول عن الإمام الباقر( عليه السلام ) ،أنّه سُئِلَ: «كثرة القراءة أفضل أو كثرة الدعاء » ؟فقال( عليه السلام ): «كثرة الدعاء أفضل وقرأ هذه الآية »{[2899]} .
/خ77
نهاية سورة الفرقان