ولما فعلها فرّ ، فقال:{ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ} الفاء عاطفة ، وقد ذكر سبحانه وتعالى أسباب الفرار وكيف كان في سورة القصص ، فقال عز من قائل{ وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ( 20 ) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ( 21 ) .
والفاء في قوله تعالى:{ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ} عاطفة ، والحكم هو الحكمة أي التجربة ، وبعد أن كان غفلا في النعمة في قصر فرعون اكتسب حكمة وتجربة ، وعمل وكسب ، فإن الشدة تصقل النفس ، وتربي الحكمة ووزن الأمور والأفعال ، ويصح أن يكون الحكم بمعنى الرسالة ، والأول أولى ؛ لأن التأسيس أولى من التأكيد ، وجعلني رسولا من المرسلين الذين أرسلهم رب العالمين ، فقد جعله الله تعالى من أولي العزم من الرسل .
ثم بين كليم الله أن النعمة التي يمن بها عليه هي نعمة سببها أشد النقم ، لأنها كانت بسبب إيذائك المطلق لبني إسرائيل مما جعل أمه تلقيه في تابوت في اليم فيكون في قصر فرعون ، فلولا هذه النقمة الفاجرة ما كانت تلك النعمة التي تمن بها ، وتستطيل عليّ بذكرها