{ فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} ، الفاء عاطفة ما بعدها على ما قبلها ، أي فمكث غير بعيد أو زمانا غير بعيد ، أي لم يقض وقتا طويلا مديدا في مكثه ، بل جاء فور التهديد الذي هدد به نبي الله سليمان عليه السلام ،وجاء إليه يقول له:{ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} أي علمت علم إحاطة ومعاينة ، لأمر لم تحط به ، ولم تعلم به علم معاينة ، وهكذا كان حظ الطير الضعيف أن يخاطب العظيم الذي أوتي كل شيء بالحرية وبالحق ، ليعلم الحكام الجهلة ، أن من واجبهم أن يواجهوا الحاكم بكل ما يعلمون وفي مصلحة الدولة ، وأن عليهم أن يتقبلوا شديد القول كما يتقبلون لينه{ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} .
النبأ هو الخبر العظيم الشأن البعيد الأثر ، وهو يقين في علمه ، إذ علمه عن عيان ومشاهدة ، وحضور ، والنبأ الخطير الشأن العظيم ، هو أنه وجد امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ، أي أن قومها آتوها من كل أسباب الحكم بالخضوع والطاعة ، والاستسلام ما جعلها ملكة عليهم ، ولها في هذا الملك عرش عظيم ذو أبهة ورونق ، وإشعار بعظم السلطان ، وهذا قوله تعالى في كلام الهدهد{ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} ، وقد أكد كلامه باللام وقد ، وقال إنها تملكهم للإشارة إلى أن خضوعهم لها كخضوع العبيد لمن يملكهم ، وبني للمجهول إيتاؤها كل شيء ، وهذا يفيد أن قومها آتوها أمرهم ، ووضعوا رقابهم تحت سلطانها .