يظهر أنهم قد حاولوا أن يكونوا قريبين من سليمان ، أو أن يحضروا مستسلمين ، أو أنها أعلنت المجيء إليه مستسلمة ، ولذا قال الله عن سليمان:
{ قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ( 41 ) فَلَمَّا جَاءتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ( 42 )} .
التنكير جعل العرش في وضع أو حال بحيث لا يعرف ، ولذا قيل:إنه وضع في وسط أمتعة متفرقة مختلفة بحيث يصعب تعرفه في وسطها ، وروى ابن عباس ومن أخذ عنه أنهم غيروا في ألوانه ، وأخذوا بعض ما فيه من جواهر ، ونرى أنهم لم يغيروه ، ولكن نكروه ، ننظر جواب الأمر أي لننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون ، أي لننظر فاحصين ذاتها ، ألها نظرات ثاقبة ، تصل من ورائها إلى الحقيقة محصين مدركين واصلين ، أم هي من أهل الغفلة الذين لا يهتدون ، ولا يمحصون ولا يدركون .
وقد تبين من الاختبار أنها واعية مدركة ، وأن النساء يدركن دائما ما يتعلق بالفراش وزينة الحياة الدنيا ، ولذا علمت ، وإذا كان قد اعتراها نوع تشكك ، فلغرابة أن يجيء إلى نبي الله سليمان قبل مجيئها .
{ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} لم تقل إنه هو من قبيل الحرص ، لأنها رأته بعينها ولكن كانت الغرابة في أنه جاء قبلها فتساءلت في ذات نفسها ، كيف جاء ، وبأي طريق وصل ، هذا هو الذي تحترس من أن تقول هو هوبل قالت كأنه ، وقال سليمان مؤكدا أنه هو:{ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا} أي أوتينا العلم به المستقين المحسوس من قبل مجيئها ، وقد يعلل بهذا من قال:"إنها صورة العرش لا ذاته"وما كان لنا أن نترك الظاهر الذي يبين اليقين بعبارة موهمة غير قاطعة ثم قال:سليمان:{ وَكُنَّا مُسْلِمِينَ} أي مذعنين للحق ببيناته .
وإن هذه الأحوال كلها خوارق للعادات مثبتة نبوة سليمان ، وفي الحق أن سلطان سليمان قد قام كله على خوارق للعادات ، وكان الزمن زمن المادة والأسباب ، والمسببات ، فكان هذا الملك قرعا لأسماع الماديين المتعلقين بالأسباب والمسببات العادية ، ويحسبون مخطئين أنها قانون الوجود .