وصف الذي أتاه قبل أن يرتد إليه طرفه بأن عنده علم الكتاب ، فما هو هذا الكتاب ، أهو السجل المحفوظ ، أم كتاب من كتب العلم والمعرفة ، ومن أي جنس ، أهو من الإنس أم من الملائكة ، لم يبين القرآن قبيله ولا كتابه ، فكان حقا علينا ألا نتعرف ما لم يعرفنا الله به ، إذ لا سبيل لذلك ، ولم يرد عن السنة ما يوضح ذلك بخبر صحيح يمكن الاعتماد عليه .
وإن هذه سمعيات يجب التصديق بها والإذعان لها ، وكثير من قصة سليمان أمور غيبية توجب الإذعان بالإيمان بظواهرها ، غير متأولين ، ولا قافين ما لا نعلم ، وقد نقول إن علم الكتاب علم يؤتيه الله من فضله من يشاء من عباده إنه عليم خبير .
وارتداد الطرف ان ينظر إلى أمر بتحديق عين ، ثم يرد إليه بعد النظر المتحدق ، وهو لا يتسع لزمن قل أو كثر ، ولذا قال بعد{ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ} الفاء للعطف والتعقيب ، أي أنه عقب قول صاحب علم الكتاب رآه مستقرا عنده ، أي موجودا قارا ثابتا عنده ، لا يتصور بعده عنه بعد ذلك ، كانت هذه نعمة على سليمان تستوجب الشكر ، ولذا قال معلنا أن ذلك اختبار من الله ، قال:{ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} يقرر في هذه الجملة السابقةما يقرره النبي الملك ، يقرر أولا أنه فضل من الله ليس إلا نعمة أعطاها عطاء ومنّا من غير سابق طلب ، ويقرر ثانيا أنه يعامله معاملة من يختبره أيكون من الشاكرين للنعمة القائمين بحقها ، أم الكافرين الذين يجحدون ، ويغترون ويعاندون ويحسبون أن ذلك استحقاق وليس عطاء ثم يقول:{ مَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} ، أي فإن شكره يكون عائدا على نفسه ، لأنه يفعل الخير ، ويثابر عليه وثمرة ذلك يعود عليه ، ولأن من يشكر النعمة يزيده الله منها ، كما قال تعالى:{ لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ( 7 )} [ إبراهيم] أي ومن يكفر ليغتر ويجحد ويعاند ، فإنه يضر نفسه ، ولكن لا يقطع بفضل الله ولا منه وفضله وكرمه ، فالله غني لا يحتاج شكر عباده ، وكريم يعطي دائما والحساب في الآخرة .