أمّا الشخص الآخر فقد كان رجلا صالحاً له علم ببعض ما في الكتاب ،ويتحدث عنه القرآن فيقول: ( قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) .
فلمّا وافق سليمان( عليه السلام ) على هذا الأمر ،أحضر عرش بلقيس بطرفة عين بالاستعانة بقوته المعنوية ( فلمّا رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربّي ليبلوني أأشكر أم أكفر ) .
ثمّ أضاف قائلا: ( ومن شكر فإنّما يشكر لنفسه ومن كفر فإنّ ربّي غني كريم ) .
وهناك اختلاف بين المفسّرين وكلام طويل في أن هذا الشخص الذي جاء بعرش الملكة ،من كان ؟!ومن أين له هذه القدرة العجيبة ؟!وما المراد ( عنده علم من الكتاب ) ؟
إلاّ أنّ الظاهر أنّ هذا الشخص هو أحد أقارب سليمان المؤمنين وأوليائه الخاصين ،وقد جاء اسمه في التواريخ بأنه ( آصف بن برخيا ) وزير سليمان وابن أخته{[2993]} .
وأمّا «علم الكتاب » فالمراد منه معرفة ما في الكتب السماوية ...المعرفة العميقة التي تمكّنه من القيام بهذا العمل الخارق للعادة !
وقال بعضهم: يُحتمل أن يكون المراد من ( علم الكتاب ) هو اللوح المحفوظ الذي علم الله بعضه ذلك الرجل «آصف » ولذلك استطاع أن يأتي بعرش ملكة سبأ بطرفة عين ،ويحضره عند سليمان !.
وقال كثير من المفسّرين: إنّ هذا الرجل المؤمن كان عارفاً بالاسم الأعظم ،ذلك الاسم الذي يخضع له كل شيء ،ويمنح الإنسان قدرة خارقة للعادة !.
وينبغي القول أن «الاسم الأعظم » ليس كما يتصوره الكثير بأنّ مفهومه أن يتلفظ الإنسان بكلمة فيكون وراءها الأثر العجيب ،بل المراد منه التخلق بذلك الاسم والوصف ،أي على الإنسان أن يستوعب «الاسم » في نفسه وروحه ،وأن يتكامل علمه وخلقه وتقواه وإيمانه إلى درجة يكون بها مظهراً من مظاهر ذلك الاسم الأعظم ،فهذا التكامل المعنوي والروحاني ( بواسطة الاسم الأعظم ) يوجد في الإنسان مثل هذه القدرة الخارقة للعادة{[2994]} .
كما أنّ للمفسّرين في جملة ( قبل أن يرتد إليك طرفك ) لكن بملاحظة الآيات الاُخر من القرآن يمكن معرفة حقيقتها ...ففي الآية ( 43 ) من سورة إبراهيم نقرأ: ( لا يرتد إليهم طرفهم ) .
ونحن نعرف أن الإنسان عندما يستوحش ويذهل ،تبقى عيناه مفتوحتان على وتيرة واحدة كأنّهما عينا ميت لا تتحركان .
فبناءً على ذلك فالمراد منه أنّني سأحضر عرش ملكة بلقيس قبل أن يتحرك جفناك{[2995]} .
/خ40