{ وما كان قولهم إلا ان قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا}أي ان هؤلاء الصابرون ليس لهم شان في ميدان القتال وفي عموم الأحوال إلا الاتجاه إلى ربهم ضارعين شاعرين بالتقصير في جنب الله سبحانه وتعالى ، فمعنى قوله تعالى:{ وما كان قولهم إلا ان قالوا} وما ثبت وتحقق لهم من قول إلا ان قالوا:{ ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا}فنفى الله تعالى عنهم كل قول إلا الاستغفار وطلب النصر ، فلم تكن منهم صيحات الفزع والاضطراب ، ولا صيحات الأخذ من الأسلاب والغنائم ، إنما قولهم هو في علاج نفوسهم والطب لأدوائها ، وطلب النصر من ربهم على أعداء الحق الكافرين به ، وتلك غاية الغايات عندهم .
ولقد كانت ضراعتهم إلى ربهم بالدعاء تتجه إلى ثلاثة أمور:
أولها:طلب غفران الذنب والإسراف ، والذنب هو التقصير في حق الله تعالى ، والإسراف في الأمور هو تجاوز الحد في الأمور ، وأمرهم هو كل ما يتعلق بإجابة الله تعالى ، فهم يستغفرون من التقصير في حق الله تعالى ، وتجاوز حدود الله تعالى ، وغن ذلك الدعاء مناسب للقتال لن المقاتل إما ان يقصر فيتخاذل ، وغما ان يتجاوز الحد فيقتل في غير حاجة إلى القتال ، فكان هذا الدعاء في موضعه ، وإن الإسراف في القتل من غير حاجة إلى القتل مؤاخذ عليه كالتقصير ، فمن يقتل امرأة او عاملا غير مقاتل أو شيخا هرما لا رأى له في القتال ، او يقتل أسيرا ، او يقتل بعد الأمان ، يكون مسرفا في امره ، فيكون مؤاخذا ، ولذلك طلبوا الاستغفار من الأمرين:التفريط والإفراط .
وإن طلبهم هذا يدل على سلامة قلوبهم ، واستصغار عملهم ، وذلك شان الأتقياء ، ولذا جاء في الكشاف في هذا المقام( هذا القول ، وهو إضافة الذنوب والإسراف إلى انفسهم مع كونهم ربانيين كان هضما لها واستقصارا ) ولقد كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:"اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري ، وما انت اعلم به منى"{[586]} .
الثاني:طلب تثبيت الأقدام بألا يهزموا ولا يفروا ، بل يلاقوا الأعداء بصدورهم ولا يولوهم الأدبار ، وفي تقديم الدعاء بالغفران إشارة إلى انهم يقدمون طهارة نفوسهم وتزكية القلوب واعتبارها أساس الثبات والصبر في مواطن القتال ، وجاء في الكشاف:"والدعاء بالاستغفار مقدما على طلب تثبيت الأقدام في مواطن الحرب والنصرة على العدو ليكون طلبهم إلى ربهم عن زكاة وطهارة وخضوع وهو اقرب إلى الاستجابة".
الثالث:طلب النصر على الكافرين ، وهو غاية القتال ؛ لن الانتصار عليهم رفع لاعتدائهم ، وتمكين لأهل الإيمان في الأرض ، ومنع للفتنة في الدين ، وإزالة الحواجز التي تحول بين النبي ودعوته ، وذلك نصر لحق الله تعالى .