فكانوا إذا قرعت آذانهم هذه الحروف بمدها ، التفتوا مغرمين ، ثم هجمت على قلوبهم من بعد ذلك الآيات البينة المحكمة ، تعالت كلماته سبحانه:
{ الله لا إله إلا هو الحث القيوم}:هذه الجملة السامية تبين أصل التوحيد ، و تقرر معناه ، فابتدأت بلفظ الجلالة الذي يدل على كمال الألوهية ، و انفراده – سبحانه – بحق العبودية ، إذ إنه الإله وحده الذي أنشأ الخلق و رباه و نماه ، و لا مالك لهذا الوجود و من فيه و ما فيه سواه . و لفظ "الله"علم على الذات العلية المتصف بكل كمال و النزهة عن كل نقص ، و التي لا تشابه الحوادث ، و لا يشبهها شيء من الحوادث:{ ليس كمثله شيء و هو السميع البصير 11} ( الشورى ) . ثم صرح سبحانه و تعالى بما يتضمنه لفظ الجلالة و هو الانفراد بالألوهية و حق العبودية فقال سبحانه:{ لا إله إلا هو} أي لا معبود بحق إلا هو ، أو لا إله في الحقيقة و الواقع إلا هو ، و كل ما يدعى له الألوهية من شخص أو وثن فهو ليس إلا أسماء سماهم بها المشركون الضالون ، و ليس من حقيقة الألوهية في شيء{ إن هي إلا أسناء سميتموها أنتم و آباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان . . . 23} ( النجم ) ثم بين سبحانه الوصاف التي تبين استحقاقه وحده لحق العبودية ، فقال سبحانه:{ الحي القيوم} أي الدائم الحياة الذي لا ينفى ، و ينفي ما سواه ، و لا يستمد حي حياته إلا بإرادته سبحانه ، و هو القائم بنفسه ، و القائم على كل شيء ، و المدبر لكل شيء . فهذا معنى القيوم{[446]} .