{ ومن يكسب فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيما}
/م110
الكسب معناه طلب ما يرغبه الإنسان ، ويطلق الكسب على ما يناله الإنسان من أمور الدنيا ، وما تناله النفس من حظوظها أو ما تراه حظا لها ، وقد ورد الكسب في القرآن بمعنى طلب الرزق وورد بمعنى فعل الخير ، وورد بمعنى فعل الإثم . و لاحظنا في تعبيرات القرآن عن كسب الآثام أنها تقرن بما تدل على استمراء النفس للشر ، وتأثرها به ، فقد قال تعالى:{. . .أن تبسل نفس بما كسبت . . .( 70 )}( الأنعام ) أي تمنع من الخير بسبب ما كسبته من ذنوب ، وقال تعالى:{. . .أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا . . .( 70 )}( الأنعام ) ، وقال تعالى:{. . .إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون( 120 )}( الأنعام ) ، وغير ذلك ولذلك يصح أن نفسر كسب الإثم بأن يتحراه وتتدرن به نفسه ، حتى يصير كسبا رديئا لها ، وذلك أن الشر إذا ارتكبه الإنسان خط في النفس خطا ، فإذا تكرر ذلك كثرت الخطوط السوداء ، حتى يربد القلب ، وبذلك يكون قد كسب الإثم ، وهو الذنب المبطئ عن الله تعالى .
ومن وصل الشر في نفسه إلى هذا الحد ، فإن ذلك الذي اكتسبه لا يعود بالشر ابتداء إلا على نفسه ، لأنه أفسد فطرتها ، وحولها عن طريق الانتفاع بها إلى أركاسها في الشر ، وخسارة الشرير في نفسه أكثر من خسارة الناس فيه ، ولأنه يصير من الشذاب الذين تلفظهم الجماعات الإنسانية ، ولأن عذاب الله يستقبله ، ولذا قال سبحانه مهددا بأنه عالم بما يرتكب ولو أخفاه حكيم يضع لكل امرئ ما يستحق فلا يتساوى عنده المسيء مع المحسن وهو وحده المتصف بأعلى درجات العلم والحكمة .
ويلاحظ في الفرق بين التعبيرين في الآية السابقة وهذه الآية أمران:
أولهما:أنه عبر في الأولى عن مرتكب الشرب"يعمل"وقد بينا ما فهمناه من ذلك ، وفي هذه الآية عبر ب"يكسب"للإشارة التي تدنس النفس بالشر ، واسوداد القلب به ، حتى اربد وأصبح لا نور فيه .
ثانيهما:أنه لم يعبر عن الشر الذي وقع في الأولى بالإثم ، بل عبر بالسوء أو الظلم للنفس ، وهنا عبر بالإثم المبطئ المبعد عن الله تعالى لأن الشخص في الحال السابقة قريب من الخير بالتوبة القريبة ، أما هنا فحاله حال من تبطؤ توبته .
وقد قال سبحانه في المرتبة الكبرى من الشر:{ ومن يكسب خطيئة أو إثما} .