{ ومن يكسب خطيئة أو إثما}
/م110
الخطأ هو العدول عن الجهة وقد قال في تفسيره الأصفهاني في مفرداته:( الخطأ العدول عن الجهة ، وذلك أضرب:أحدها- أن يريد غير ما تحسن إرادته ، وهو الخطأ التام المأخوذ به الإنسان ، يقال خطئ يخطأ خطئا ، وخطأة ، قال تعالى:{. . .إن قتلهم كان خطئا كبيرا( 31 )}( الإسراء ) وقال تعالى:{. . .وإن كنا لخاطئين( 91 )}( يوسف ) . والثاني- أن يريد ما يحسن فعله ، ولكن يقع منه خلاف ما يريد ، فيقال:أخطأ ، إخطاء فهو مخطئ ، وهذا قد أصاب في الإرادة ، وأخطأ في الفعل وهذا هو المعنى بقوله عليه الصلاة والسلام:"رفع عن أمتي الخطأ والنسيان"{[798]} ، وبقوله عليه الصلاة والسلام:"من اجتهد فأخطأ فله أجره"{[799]} ، وقوله تعالى:{. . .ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة مؤمنة( 92 )}( النساء ) والثالث- أن يريد ما لا يحسن فعله ، فيقع خلافه ، فهذا يخطئ في الإرادة ومصيب في الفعل ) .
ومنها يتبين أن الخطأ الكامل ما يكون انحرافا في الإرادة ، بأن يريد ما لا تصح إرادته ، ويأثم بهذه الإرادة ، ومن ذلك كلمة "خطيئة"فإنها تستعمل في كثير من آي القرآن فيمن يرتكب الشر ، منحرف النفس ، حتى أنه يصدر عنه من غير تكلف ، ولا معاناة ، ومن ذلك قوله تعالى:{ بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته . . .( 81 )( البقرة} وقوله تعالى أيضا:{. . .ولا تزد الظالمين إلا ضلالا( 24 )مما خطيئاتهم أغرقوا . . .( 25 )}( نوح ) ، وكانت الخاطئة هي الذنب العظيم ، ومن ذلك قوله تعالى:{. . .والمؤتفكات بالخاطئة( 9 )}( الحاقة ) .
وعلى ضوء هذه المعاني نقول:إن الخطيئة هنا في قوله تعالى:{ ومن يكسب خطيئة}هي الذنب العظيم ، الذي تمرست به النفس ،حتى صار وصفا من أوصافها ، يصدر عنها من غير قصد ، بل هو انحراف النفس التي أحاطت بها ظلمات الشر ، والإثم هو الذنب المبطئ عن الاتجاه إلى الله بالاستغفار .
وإن جريمة هؤلاء جريمتان:إحداهما ارتكاب الشر والإيغال فيه ، والثانية أنهم يرمون البرآء به ، ولذا قال تعالى:{ ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا} .
وإن هذه الجريمة تتضمن هي الأخرى في ثناياها جريمتين:إحداهما البهتان ، وهو الكذب الذي لا يتصور عند أهل الخير وقوعه ، والثانية إثم واضح ، وهو إلقاء التبعة على الغير ، إذ إنه كذب حير البرىء وأذهله .
وإن هؤلاء ، مع هذه الذنوب التي يرتكبونها ، منافقون يظهرون غير ما يبطنون ، وهم شر الجماعة الذين يسعون بالفساد في الأرض ، وأن السعاية التي يرتكبونها بنفاقهم توجب قطعهم عن الأمة ، ولقد أوجب بعض الفقهاء عقابهم .
وإن هؤلاء يفسدون الحكام على شعوبهم ، ويسعون في الأرض فسادا بجرمهم ، وإن الله يحذر نبيه من أمثالهم ، وهو قدوة حسنة لكل الحكام .