{ ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء}
/م110
الضمير في قوله تعالى:{ لهمت طائفة منهم}يعود على ما يفهم ضمنا من حال هؤلاء الذين أركست نفوسهم في الخطايا ، حتى أصبحوا يقدمون عليها من غير قصد خاص إليها ، كأن ذلك حال من أحوالهم ، فهم منافقون يبتغون الفتنة في الذين آمنوا ، وأول فتنة وأقوى فتنة هي التي تجيء في الحكام ، فتبعد ما بينهم وبين الأخيار من الأمة ، ويتقرب بها الأشرار الذين يرتكبون الشر ، ويرمون به الأبرياء ، ومعنى النص الكريم:إن أولئك المنافقين العصاة الجريئون على رمي الأبرياء وتضليل الحكام . ولولا أن الله تعالى من عليك بفضله العميم ، ورحمته الواسعة ، لهمت طائفة منهم أن يجعلوك في ضلال بالنسبة لمن تحكمهم وتهديهم ، فهم لم يهموا بذلك ، لأنهم يعلمون فضل الله تعالى عليه بالوحي الذي يبين له الحق ، ورحمته الواسعة التي يمن بها عليه وعلى قومه ، فلا يكون منهم ما يعنتهم ، كما قال تعالى في وصف نبيه عليه الصلاة والسلام:{. . .عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم128}( التوبة ) .
وإن هؤلاء إذا حاولوا هذه المحاولة أو لم يحاولوها ، واستمروا في غيهم يعمهون ، فإنهم باستمرارهم في هذه الغواية يسيرون إلى أقصى المدى في الشر ، فيبعدون عن الهداية ، ولذلك لا يضلون إلا أنفسهم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لن يضل أبدا ، وإنهم لا يضرونه بأي قدر من الضرر ، ولا بأي نوع منه ، لأن الله حافظه ، وحافظ من اتبعوه إلى يوم القيامة . وقد بين الله حصانه نبيه إذ قال:
{ وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما} هداية كاملة بالرسالة ، بينها الله سبحانه وتعالى بأن الكتاب أنزل عليه مبينا به الشريعة الحق التي لا يأتيها الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فهو يحكم بقانون القرآن وعلمه الرسالة وأنزل عليه الحكمة وهي الفهم الصحيح ، وفقه الواقع والمسائل:وإن هذا التفسير له موضعه من الحق ، فالله تعالى أنزل عليه الوحي بالسنة ، فما كان ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى .
وإنه يعلم القرآن ، وبالحكمة التي أنزلها على قلبه ، قد أنار الله بصيرته فعلمه علما كثيرا لم يكن يعلمه ، وكان فضله بهذه الرسالة وبهذا القرآن وبهذه الحكمة وبهذا العلم النوراني الذي علمه إياه عظيما لا حدود لعظمته .
وإن هؤلاء الذين يسعون في الأرض فسادا كانوا يحاولون أن يضلوا النبي ، لولا كتاب الله الذي أنزل عليه ، وحكمته التي أوحى بها إليه ، وما علمه من علم ، وأن أمثالهم في كل زمان ، وهم أجرأ على الحكام إذ لا هداية من السماء تنزل على الحاكمين ، فلا حواجز تحجزهم عن السعاية بالشر ، فعلى الحكام أن يأخذوا حذرهم منهم ، ولا يجعلوا منهم ألسنة تحكي حال غيرهم ، بل عليهم أن يقطعوها ، والله من ورائهم محيط .