القول في تأويل قوله:وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112)
قال أبو جعفر:يعني بذلك جل ثناؤه:ومن يعمل خطيئة، وهي الذنب="أو إثمًا "، وهو ما لا يحلّ من المعصية. (65)
* * *
وإنما فرق بين "الخطيئة "و "الإثم "، لأن "الخطيئة "، قد تكون من قبل العَمْد وغير العمد، و "الإثم "لا يكون إلا من العَمْد، ففصل جل ثناؤه لذلك بينهما فقال:ومن يأت "خطيئة "على غير عمد منه لها="أو إثمًا "على عمد منه.
* * *
="ثم يرم به بريئًا "، (66) يعني:ثم يُضيف ماله من خطئه أو إثمه الذي تعمده (67) ="بريئًا "مما أضافه إليه ونحله إياه="فقد احتمل بُهتانًا وإثمًا مبينًا "، يقول:(68) فقد تحمّل بفعله ذلك فريَة وكذبًا وإثمًا عظيمًا= يعني، وجُرْمًا عظيمًا، على علم منه وعمدٍ لما أتى من معصيته وذنبه.
* * *
واختلف أهل التأويل فيمن عنى الله بقوله:"بريئًا "، بعد إجماع جميعهم على أن الذي رمى البريءَ من الإثم الذي كان أتاه، ابن أبيرق الذي وصفنا شأنه قبل.
فقال بعضهم:عنى الله عز وجل بالبريء، رجلا من المسلمين يقال له:"لبيد بن سهل ". (69)
* * *
وقال آخرون:بل عنى رجلا من اليهود يقال له:"زيد بن السمين "، وقد ذكرنا الرواية عمن قال ذلك فيما مضى. (70)
* * *
وممن قال:"كان يهوديًّا "، ابنُ سيرين.
10425- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا غندر، عن شعبة، عن خالد الحذاء، عن ابن سيرين:"ثم يرم به بريئًا "، قال:يهوديًّا.
10426- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا بدل بن المحبر قال، حدثنا شعبة، عن خالد، عن ابن سيرين، مثله. (71)
* * *
وقيل:"يرم به بريئًا "، بمعنى:ثم يرم بالإثم الذي أتى هذا الخائن، من هو بريء مما رماه به= فـ"الهاء "في قوله:"به "عائدة على "الإثم ". ولو جعلت كناية من ذكر "الإثم "و "الخطيئة "، كان جائزًا، لأن الأفعال وإن اختلفت العبارات عنها، فراجعة إلى معنى واحد بأنها فعلٌ. (72)
* * *
= وأما قوله:"فقد احتمل بهتانًا وإثمًا مبينًا "، فإن معناه:فقد تحمل - هذا الذي رمَى بما أتى من المعصية وركب من الإثم الخطيئة، مَنْ هو بريء مما رماه به من ذلك="بهتانًا "، وهو الفرية والكذب (73) ="وإثمًا مبينًا "، يعني وِزْرًا "مبينًا "، يعني:أنه يبين عن أمر متحمِّله وجراءته على ربه، (74) وتقدّمه على خلافه فيما نهاه عنه لمن يعرف أمرَه.
--------------------
الهوامش:
(65) انظر تفسير"خطيئة"فيما سلف 2:110 ، 284 ، 285.
(66) في المطبوعة زيادة حذفتها ، كان الكلام:"ثم يرم به بريئًا ، يعني بالذي تعمده بريئًا ، يعني ..."وهو فساد في التفسير ، فحذفته لذلك وتابعت المخطوطة.
(67) في المطبوعة:"ثم يصف ما أتى من خطئه ..."وأثبت ما في المخطوطة ، وهو الصواب.
(68) انظر تفسير"البهتان"فيما سلف 5:432 / 8:124.
(69) انظر الأثر رقم:10411.
(70) انظر رقم:10412 ، 10416.
(71) الأثر:10426 -"بدل بن المحبر بن المنبه التميمي اليربوعي"روى عن شعبة ، والخليل بن أحمد صاحب العروض ، وغيرهما. وروى عنه البخاري ، والأربعة بواسطة محمد بن بشار. ثقة.
و"بدل"بفتحتين.
(72) هذا مختصر مقالة الفراء في معاني القرآن 1:286 ، 287.
(73) انظر تفسير"البهتان"فيما سلف ص:197 ، تعليق:4.
(74) انظر تفسير"مبين"فيما سلف ص:3 ، تعليق:1 ، والمراجع هناك. وكان في المطبوعة:"يبين عن أمر عمله"، والصواب من المخطوطة.