{ وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا} .
/م138
إن المنافقين يوالون الكفار ويجعلون الولاية لهم ، و يجلسون معهم مستهزئين ساخرين معاندين الله تعالى مع أنه سبحانه وتعالى نزل في كتابه المحكم أنكم إذا سمعتم أيها المخاطبون بالحقائق الإسلامية الذين يتحدثون ساخرين بالقرآن ، فلا تقعدوا بل اتركوا مجلسهم وأعرضوا عنهم حتى يخوضوا أي يتكلموا في حديث غيره ، والذي نزل في القرآن ونهى عن الجلوس مع الذين يستهزئون بما جاء به هو في سورة الأنعام المكية ، التي نزلت قبل سورة النساء المدنية ، وهو قوله تعالى:{ وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره( 68 )}( الأنعام ) .
والخطاب في قوله تعالى:"عليكم"لعامة الذين يتلون القرآن الكريم من مؤمنين صادقين ومنافقين ومؤدى الكلام أنه من المنهي عنه أن يجلس المسلم مع مثير السخرية على آي القرآن ، والمشركون يفعلون ذلك ، ومع ذلك لا يكتفي المنافقون بهذا بل إنهم يولونهم أمورهم ويجعلون عزتهم منهم ، ويكون ضمير الغيبة عائدا على الكافرين .
وبعض العلماء قال إن الخطاب للمنافقين وهو لا يخرج عن المعنى السابق .
وأرى أن الخطاب كله للمؤمنين ، وفيه تحذير للمؤمنين من أن يجالسوا المنافقين إذا استهزءوا بآيات الله تعالى ، وسخروا من الأحكام الإسلامية لأن سماع الشر شر ، ولأن سماع الاستهانة بالقرآن قد تؤدي إلى الاستهانة من السامع ، فأول الشر سماع الشر ، وإن أولئك المنافقين يبدو في مجالسهم كلمات الكفر وكلمات الاستهزاء .
وعلى ذلك يكون ضمير الخطاب لمؤمنين وضمير الغيبة للمنافقين الكافرين .
وقد بين سبحانه أن القعود مع الأشرار وسماع كلمات الكفر والاستهزاء يجعل المؤمن كالكافر والمنافق ، ولذا قال سبحانه:
{ إنكم إذا مثلهم}أي إنكم أيها المؤمنون إن استمعتم إلى الكفار والمنافقين وهو يعلنون الكفر بآيات الله تعالى وجحودها تكونون مثلهم في الاستهانة بكتاب الله تعالى ورسالة الرسول الأمين ، والاستهانة بالأحكام الإسلامية ، وقد رأينا ذلك عيانا فإن أولئك الذين يجالسون الفرنجة ويقرؤون ما يكتبون عن الإسلام ، ويثيرون السخرية على أحكامه تسري إليهم العدوى ، ولقد سمعنا بعض هؤلاء ممن يتسمى باسم إسلامي ، وهو من أسرة إسلامية ، يتهكم على قوله تعالى:{ للذكر مثل حظ الأنثيين . . .( 11 )}( النساء )فلعنه الله تعالى ، ولعنة الله على كل من لا يؤمن بسلامة هذه القضية ، ولعنه الله على كل من ينكر ميراث القرآن أو يهون من شأنه .
وإن الآية يستفاد منها فوائد:أولها:أن الاستهزاء بالحقائق القرآنية لا يقدم عليه مؤمن . وثانيها:أن الاستماع إلى الكفر بها والاستهزاء يجعل السامع كالمتكلم ، لأن السكوت لا يخلو من رضا ولو كان جزئيا ، ثالثها أن الشر يسري من القائل إلى السامع كما يسري السم في الجسد ، وكما يجري الشيطان في النفس .
وقد أكد سبحانه النهي عن مجالسة المنافقين بقوله تعالت كلماته:
{ إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا}أي أنه إذا كان المنافقون يطلبون العزة من الكافرين ، ويطلبون الولاء والنصرة منهم ويحاولون بذلك أن يجتمعوا على النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله سبحانه وتعالى جامعهم في الذل والهوان ، لا في العزة والاستمكان ، إنه جامعهم في جهنم جميعا بلا استثناء قط ، لأنهم تحدوا الله ورسوله ولأنهم جحدوا بآيات الله تعالى وسخروا منها ، ولأن كلمة الكفر تجمعهم وتفرقهم في النوع لا في الأصل . فإن الكفار قسمان:قسم أعلن الكفر والمناوأة وأولئك أقوياء الكفار ، وقسم كفر وغش وخدع ، فادعى الإسلام وكلاهما في جهنم وإن كان المنافق في الدرك الأسفل منها .