{ الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم}
/م138
التربص الانتظار ، فيقال تربص بمعنى انتظر ويقال تربص به إذا انتظره مراقبا له ، ففي قوله:{ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء( 228 )}( البقرة )يراد التربص مع مراقبة النفس ، وملاحظة حال الحيض وغيرها .
وهؤلاء المنافقون عند اشتداد الشديدة وقيام الحرب ينتظرون مراقبين المؤمنين وغيرهم ، فإن كان النصر الفاتح الفاصل بين قوة الشرك وقوة أهل الإيمان بنصر الله تعالى وتأييده قالوا:نحن معكم لنا حظ في الغنيمة ولا بد أن يسهم لنا سهم فيها وإن كان للكافرين نصيب من النصر قالوا:ألم نحطكم بحمايتنا ورعايتنا ونمنع المؤمنين من أن ينتصروا عليكم ، أي إن انتصاركم كان بفضل حياطتنا ورعايتنا ، فهم لطمعهم مترددون بين الفريقين كالشاة العاثرة بين غنمين ، يذهبون إلى حيث المطمع العاجل ، إذا احتدم القتال بين الفريقين أما إذا كان السلم فقلوبهم وولاؤهم للكافرين دائما لأنهم منهم .
وفي النص القرآني بعض بحوث لفظية تقرب معنى النص الكريم:
أولها:أنه سبحانه وتعالى عبر عن النصر في جانب المؤمنين بأنه فتح لأن الفتح فصل بين الحق والباطل ، ولأنه من وراء نصر المؤمنين فتح الطريق لكي يدرك الناس الإسلام ويدخل فيه من أراد ، ولأن النصر للمؤمنين دائم ، و قد عبر سبحانه عن الفتح أنه يجيء من الله و في ذلك معنى الدوام ، لأن الذي يجيء به هو الله القائم على كل شيء فهو باق ما بقيت الأسباب التي تتخذ للنصر .
ثانيها أن الاستفهام في قوله تعالى:{ ألم نكن معكم}معناه أننا كنا معكم مؤكدين ذلك الاستفهام وهو الذي يسمي الاستفهام التقريري وهو في أصله للنفي ، وهو داخل على النفي وهو:لم نكن معكم فهو نفي لهذه القضية ، ونفي النفي إثبات ، ومثل ذلك قوله:{ ألم نستحوذ عليكم} .
ثالثها:أنه عبر عن انتصار الكافرين في الموقعة بقوله:{ وإن كان للكافرين نصيب}فلم يقل أن انتصارهم فتح ، ولكنه قدر من النصر قل أو كثر ، ولا يمكن أن يكون فتحا لأنه لا ينصر الباطل نصرا دائما ولا يكون لكافرين نصيب من النصر ، إلا في غفلة من المسلمين كما في أحد ، ويدوم بمقدار الغفلة فإن كانت اليقظة كان فتح الله للمؤمنين .
رابعها:أن كلمة استحوذ معناها أحطنا بحاذيكم أي جانبيكم وهذا كناية عن الإحاطة بهم للحماية والمنع .
{ فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}وإذا كانت تلك حال المنافقين في الدنيا وحال الكافرين فيها ، فإن مآلهم إلى الله تعالى يوم القيامة وهو الذي سيحكم بالحق وحده ، ولا يستوي الذين يؤمنون والذين يكفرون ، ومهما يكن من استنصار المنافقين بالكافرين ، وتمالأ الفريقين على المؤمنين فالله سبحانه ولي المؤمنين سيقطع ما بين الفريقين ، وسيكون المؤمنون في النعيم وأولياء الشيطان في الجحيم .
وإنه في الدنيا والآخرة لن يجعل الله تعالى للكافرين بوصف أنهم كافرون سبيلا أي سبيل للسيطرة على المؤمنين بوصف أنهم مؤمنون ، وإذا كنا نرى غلبة من أهل الكفر على الذين يتسمون باسم الإسلام الآن ، فلأنهم تخلوا عن أوامر الله تعالى للمؤمنين ، وخذلوا الحق ، فما كانت الغلبة من كافر على مؤمن بل كانت من كافر على مسلم تخلى عن واجب الإيمان ، اللهم ارفع كلمة الحق والإيمان ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يرحمنا إنك أنت سميع الدعاء .