{ الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين}
/م138
هذه بعض أحوال المنافقين ، وموقع{ الذين يتخذون} إما أنها بدل أو عطف بيان المنافقين المذكورين في الأولى وإما أنها في موضع النصب على الاختصاص ، ويكون المعنى على هذا:أخص الذين يتخذون . . .
وعندي أن البدل أولى ، لأن تلك الأحوال تعمهم ولا تخص فريقا منهم دون فريق .
وما معنى اتخاذهم الكافرين أولياء من دون المؤمنين نقول إن الذي يقرب معنى الآية الكريمة أن نقول إنهم يلتمسون النصرة والعزة والكرامة من الكافرين ، ويجعلون انتمائهم إليهم لا إلى الدولة الإسلامية ، ويتخذون هذا الولاء ضد المؤمنين ، أي أنهم يجعلون الولاء في الأمر الذي يكون فيه خلاف بينهم وبين المؤمنين وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:{ من دون المؤمنين} .
أي مخالفين ومعاندين ومباعدين ولاء المسلمين ، ومتجهين إلى ولاء الكافرين ، ومؤدى هذا أنهم يتركون ولاء المؤمنين ، للوصف اللازم لهم وهو الإيمان ويتخذون ولاء الكافرين للوصف المميز لهم وهو الكفر ، وهم بهذا يحاربون الله ورسوله ، والله تعالى يقول:{ لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله( 22 )}( المجادلة ) .
وإن الذين تكون أوصافهم هكذا هم كافرون .
والولاء قسمان:ولاء نصرة وانتماء ، وهذا منهي عنه من المؤمنين إلا بالضرورة ، وولاء مودة ومحبة وهذا غير منهي عنه بالنسبة لغير المسلمين إلا إذا كانوا قد حاربوا الله ورسوله وخرجوا محاربين له منابذين .
وقد استنكر سبحانه وتعالى أن يكون لهؤلاء المنافقين ما يبرر هذا الولاء ، ولذا قال سبحانه وتعالى:
{ أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا} إن هؤلاء المنافقين تضل أفهامهم ، ويطمس على مداركهم ويفسد تفكيرهم لأنهم مردوا على الابتعاد عن الحقائق والحكم على الزمان بحالهم الوقتية ، ولا تنفذ عقولهم إلى ما وراء ظاهر الأمور فهم يطلبون العزة من غيره .
والاستفهام هنا لإنكار الواقع ، أي للتوبيخ على أمر وقع منهم وهو أنهم يطلبون العزة ويريدونها إرادة شديدة راغبين فيها من الكافرين الذين لا يملكون أن يعزوا غيرهم لأنهم يعاندون الله تعالى ، ولا عزة لمن يجحد ويعاند الله العزيز الحكيم . وقد أكد الله تعالى ذلك المعنى بقوله تعالت كلماته:
{ فإن العزة لله جميعا} أي أنه لا عزة إلا ما يكون من عند الله تعالى ، ولمن يطيع أوامره ، وينتهي عن نواهيه ، وقد أكد الله تعالى أن العزة له وحده بعدة مؤكدات منها التوكيد ب "إن"ومنها ذكر لفظ الجلالة ومنها ذكر بكلمة{ جميعا} .
إن العزة لله وحده ، فليس بعزيز من يعانده ، إذ ليست العزة غطرسة وكبرياء ولكنها معنى نفسي يسكن في القلب فيحس باستعلاء على مظاهر الحياة ، واستجابة لمعانيها وأولئك الذين يريدون العزة من غيرهم يبنونها على أوهام ، وعلى مطامع مادية ، وليست هذه العزة إن كان استعلاء يبنى على أمر مادي ، أو جاه خارجي ، أو مطمع دنيوي إنما هو وهم سرعان ما يزول وتذل النفوس التي لا تتمسك بالحق ، فالحق فيه العزة وهو الذي يكون من عند الله ، فلا عزة إلا من الله ، والذل حيث لا يريد وجه الله .
وإن أولئك المنافقين لفرط كفرهم وإيغالهم في البعد عن الله يشاركون الذين يثيرون السخرية عند تلاوة القرآن ولذا قال سبحانه:{ وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا} .